Al Jazirah NewsPaper Saturday  21/06/2008 G Issue 13050
السبت 17 جمادىالآخرة 1429   العدد  13050
رقص الأقحوانة
التلفاز.. لباسٌ من الجن
محمد يحيى القحطاني

كانت -وما زالت- عندي قرية في ذاك الجنوب الغربي من هذا الوطن، ولم أكن أزورها سوى مرات قليلة في العام، ورغم ذلك ترسخ في ذاكرتي ماضٍ قديم شكل ثقافة أهلها وما تغير عند من لازمها ولم يغادرها بسبب زحف (التمدّن).

في قريتي كانوا يرون (التلفاز) لباساً من الجن جاء لينزع منهم دينهم وثقافتهم وفحولة رجالهم وحياء نسائهم.. بل كانوا يرون فيمن يشتريه خللاً في جينات الرجولة وذهاب الحياء وقلة الدين، ورغم ذلك كان في بيتنا بالقرية جهازان اثنان، أحدهما يعمل بالبطارية لأن الكهرباء لم تكن قد نصبت أعمدتها بعد بين حقول (آل الخلف).. أذكر وأنا صغير أننا كنا نتجمع حول (التلفزيون) الصغير وكان يعمل ببطارية السيارة -وكان بالألوان بالمناسبة- وكان أبناء ابني عمي يسرقون أنفسهم خلسة دون علم والديهم لنشاهد (السندباد) معاً أو مباريات كرة القدم التي كانت تقام عصراً وهنا تبدأ المنافسة.

كنت أهلاوياً وكانوا هلاليين ولا أعلم حتى اليوم سبباً في انحيازهم للهلال رغم سيطرة الأهلي حينها على البطولات ووقوف الهلال موقف المتفرج المنبهر بالأخضر، وكان نقاشنا يصل إلى التشابك بالأيدي، وكانت قلوبهم منقسمة نصفين، نصف يتابع الشاشة والنصف الآخر لخارج المنزل تحسباً لنداء يصل من (الشارقة) أو (النثيلة) وكان قلقهم يسيطر على نظراتهم التي ورثوها عن جدهم (والدي)، في المقابل كنت المسيطر في حال (الغضب) أو اختلاف وجهات النظر وكنت أتبع قاعدة (منزلي) رغم تعنيف والدي لي رحمه الله ذات يوم حين سحبت أسلاك (التوصيل) وطردتهم لأن أحدهم احتل مكاني ولم يحتل مكانتي.

الآن (استحلب) الماضي الذي أدبر ولم تعد منه سوى ذكريات الطفولة حين كان التلفزيون مكاناً (آمناً) نذهب إليه دون رقيب أو حسيب رغم نظرة المجتمع التي كانت سائدة آنذاك.

وحتى مطلع التسعينيات الميلادية حين جاءت الأطباق اللاقطة كان الأمر أشد تأزماً واحتقاناً ورغم ذلك مرت عاصفته بعد اتهامات لمقتنييه أيضاً بقلة الدين وضعف (الغيرة) وهاهي بيننا أكثر من 500 قناة عربية 95% منها لا تصلح للنظر أو السمع أو حتى الاحترام والله أعلم ماذا سيكون غداً.

في هذا المقال اختزلت ذاكرتي وأكثر من عشرين عاماً أدعو الله كل يوم أن تعود.. ولا تستغربوا أنني فرحت حين عرضت إحدى الفضائيات قبل عدة أشهر المسلسل الكارتوني (جريندايزر) بل إن إحدى الحلقات حين عرضت ذكرتني بموقف نسيته منذ أول عرض عرضه التلفزيون وأذكر أنه كان بعد ظهر كل يوم من أيام رمضان حين كان صيفاً لاهباً وخلال تلك الحلقة بالذات تعرضت لضرب مبرح من والدي رحمه الله لأنني نسيت أن أحضر (بقدونس) من محال الخضار.



fm248@hotmail.com
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 796 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد