Al Jazirah NewsPaper Sunday  22/06/2008 G Issue 13051
الأحد 18 جمادىالآخرة 1429   العدد  13051
وطن بلا نفايات.. والنظافة من الإيمان
د. عبد الملك بن عبد الله زيد الخيال

من أبرز مشكلات البيئة وأكثرها تعقيداً وأصعبها حلاً مشكلة التلوث على كل القضايا البيئية حتى غدت مشكلة البيئة الرئيسية، وارتبط في أذهان الكثيرين أن التلوث هو المشكلة الوحيدة للبيئة، فتلوث مياه البحار والمياه الجوفية ينتج من نفايات ومخلفات المصانع، وعن استعمال المواد الكيميائية.

مثل مبيدات الآفات، والأسمدة الصناعية في الزراعة، كما ينتج عن نفايات مخلفات المنازل والمباني والمنشآت الأخرى. فمثلاً تلوث التربة: يظهر لنا في المدن الكبيرة والأراضي المحيطة بها.

حيث باتت الأراضي ملوثة بالنفايات، ومخلفات البناء، أي مخلفات الإنشاءات.

والملاحظ لحياتنا اليومية يجد أن توسع المدن بسرعة هائلة والانفجار السكاني في جميع أنحاء بلادنا صاحبه تغيير أساسي في حياة شعبنا. هذا التغيير الأساسي أسعد البعض وأشقى البعض الآخر، هذا التغيير كان تغيرا في القيم وتغيرا في الأوضاع، وتغيرا نحو صحة أفضل أو نحو تدهور في الصحة من جهة أخرى نتيجة تدهور في البيئة.

وإن تنمية مجتمعنا نتج عن تنمية الإنسان للموارد الطبيعية المختلفة فيه، والتنمية ما هي إلا تفاعل بين البيئة والإنسان ينتج عنه الخير والضر معا، وأصبح صراع الإنسان مع البيئة هو كيف يزيد من خيرات الأرض مع عدم تعريضها للخطر. كيف نحافظ على بيئة صالحة للأجيال القادمة.

لذلك فموضوع المحافظة على البيئة من الموضوعات المهمة لاستمرار الحياة الإنسانية، والخطر الحقيقي الذي يواجهنا هو مشكلة تناقص المخزون الاستراتيجي من الموارد الطبيعية وخاصة في بلد صحراوي مثل بلدنا التي تتوقف فيه حياة شعبنا على بعض الموارد الطبيعية مثل المياه الجوفية وغيرها، كما نلاحظ تزايد مشاكل التلوث والتدهور البيئي وخطر انقراض أنواع كثيرة من الحيوانات والنباتات الفطرية التي تحدث التوازن البيئي.

لذلك فمن الواجب علينا في المملكة العربية السعودية أن نحافظ على بيئتنا، وأن نحدد علاقتنا بمواردنا الطبيعية وكيفية التعامل معها واستخدامها الاستخدام الأمثل في الوفاء باحتياجاتنا الحالية فقط دون أن نظلم الأجيال القادمة بألا تجد ما يلبي احتياجاتها.

أترضون بما قاله لي أحد الأجانب في يوم من الأيام بأن (السعوديين غير متحضرين، وعندما سألته لماذا؟ قال: زرت وديانا كثيرة في الجزيرة العربية في كل من السعودية وعمان وبعض الدول الأخرى، فهل تصدق أن وديان المملكة وبراريها من أقذر الوديان والبراري في الجزيرة العربية، وأن أغلب من يرتاد الصحراء والبراري من السعوديين والوافدين غير متحضرين لأنهم يتركون مخلفاتهم في المكان الذي يخيمون فيه). وعندما انتهى من حديثه، لم أستطع أن أدافع عن تحضر بعض السعوديين، وبالطبع لا ترضون لأنكم غيورون على بيئة بلدنا المعطاء ونخدمه من قلوبنا.

إن المواطنة الحقيقية لأي فرد سعودي هي مجموعة الأعمال التي يقوم بها نحو الوطن وتقدمه ونحو المحافظة عليه مما قد يؤثر على مسيرته نحو الرقي والتقدم، وتبرع صاحب السمو الملكي سلطان بن عبدالعزيز في احتفال جامعة الملك سعود مساء يوم السبت 28 ذو الحجة 1418 هـ بمبلغ 12 مليون ريال لإنشاء مركز الأمير سلطان الثقافي ومركز الأمير سلطان للبحوث العلمية لشؤون البيئة بجامعة الملك سعود هي أحد الأمثلة للمواطنة الحقيقية التي يجب أن يقتدي بها كل فرد من أبناء هذه البلاد الطيبة. وأن يحذو حذوه كل غيور على هذه البلاد، وأن يصرف ويستثمر على تقدم هذه البلاد والمحافظة عليها من بعض ما يرقد في البنوك الخارجية والداخلية.

والحديث عن المواطنة وعن شرور العلم والتقدم الصناعي والمشاكل البيئية للمجتمعات المتقدمة والنامية والتنمية المستمرة لتلك المجتمعات تبلورت في كلمة سمو ولي العهد- حفظه الله- التي أسعدتني ذلك المساء منذ أكثر من عشر سنوات عندما تحدثت عن أمور البيئة والمحافظة عليها، كما يتحدث الخبير المحنك وأجاب عن الأسئلة المباشرة للحضور إجابة الواثق والمطلع والخبير بأمور البيئة. وحلمه الدائم بأن تصبح المملكة من أنظف بلاد العالم، كما أتذكر كيف بدأت كلمتك عن أهمية البيئة بقوله- حفظه الله-: (إن موضوع البيئة قفز إلى قائمة أولويات دول العالم لأن البيئة سوف تكون الهاجس خلال القرن القادم، فسلامة البيئة لا تؤثر على جودة الحياة، وإنما تؤثر على الحياة نفسها فبدون بيئة سليمة لا حياة سليمة لبشر ولا لحيوان ولا لنبات على هذه الأرض).

نعم لقد كان تعبيرا جميلا وبلاغة في التعبير في قوله (سلامة البيئة لا تؤثر على جودة الحياة وإنما تؤثر على الحياة نفسها).

كما ذكر أن (البيئة بمختلف مكوناتها من موارد طبيعية وأحياء فطرية)، فالبيئة هي المكان الذي نعيش فيه جميعاً ونعمل دوماً على استمرار تنميته وتحسين الجزء الخاص بنا وحمايته.

وقلت أيضاً: (إن المحافظة على البيئة بمختلف مكوناتها من موارد طبيعية وأحياء فطرية لا تكتمل بجهود الحكومة وحدها وإنما تحتاج إلى تضافر جهود الجميع، فالبيئة أمانة في أعناقنا علينا أن نسلمها للأجيال القادمة لتنعم بخيراتها، ومن المؤمل أن يقوم كل منا بواجبه حتى يتحقق الهدف).

والمقصود من كلمة البيئة بالمعنى الكبير هو وطننا الغالي المملكة العربية السعودية كجزء من شبه جزيرة العرب بما يحتويه من موارد طبيعية وبشر وحيوان وإنسان، الهواء الذي نتنفسه والماء الذي يحيط بنا أو الماء الذي نشربه، فإذا كان أي فرد منا يعتني ببيته الذي يسكن فيه ولا يرضى أبداً أن يكون هذا المسكن قذراً غير صالح للعيش فيه، فما بالك ببيتنا الكبير، ألا وهو وطننا الغالي، هل نرضى بأن يكون قذرا؟. هل نرضى أن تدمر بيئتنا التي نعيش فيها؟.

لقد قال سموه (تحتاج إلى تضافر جهود الجميع) أي أن كلا منا في هذا الوطن الغالي عليه واجب، فاليد الواحدة لا تصفق.

وكلمة الجميع تعني الدولة بجميع مؤسساتها وموظفيها، وكذلك القطاع الخاص بشركاته ومؤسساته ومديريه وأفراده وكذلك بقية أفراد الشعب من مواطنين رجال ونساء شيوخ وشباب وأطفال.

وأهم نقطة أشار إليها هي في قوله: (فالبيئة أمانة في أعناقنا علينا أن نسلمها للأجيال القادمة لتنعم بخيراتها) أي أنه يجب ألا نستنزف جميع المصادر الطبيعية في بلادنا مثل الماء والبترول والمعادن والغابات والمراعي.

كما يجب أن يكون هناك إدارة أمثل لمواردنا الطبيعية عن طريق ترشيد استخراجها وتعظيم كفاءة استخدامها، ويتطلب ذلك العناية بالموارد البشرية وتطويرها والارتقاء بها أي يجب العناية بالأفراد وتوعيتهم وإشراكهم في الأعمال التي تختص بالبيئة ومنهم كافة المسؤولين، والمواطنين بصفة عامة أكانوا، الأطفال والشباب من الجنسين، والمرأة، والمثقفين عامة، وعامة الشركات وخاصة الصناعية منها، والصياد، والراعي، ولا أنسى أنه منذ عام واحد أمر بتشكيل لجنة ثلاثية بتاريخ 4-2-1428 هـ. من كل من وزارة الزراعة، والهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية، وهيئة الأرصاد وحماية البيئة لعمل برنامج يهدف إلى رفع مستوى الوعي العام المعرفي، والسلوكي من خلال اقتراح وسائل فعالة قابلة للتطبيق على المدى القصير والطويل المدى حسب الحاجة الملحة لتنفيذ هذا البرنامج، وذلك من خلال الأهداف الفرعية التالية: وهي ترسيخ مفهوم الانتماء البيئي (الوطني) وأن الإنسان السعودي جزء منه يؤثر ويتأثر به، ورفع مستوى الوعي البيئي من أجل المحافظة على البيئة الطبيعية السعودية ومواردها الحية. على أن تكون هذه البرامج قابلة للتطبيق، وتعمل على تغيير السلوك، وذلك من خلال تكريس المفاهيم الدينية والعلمية الداعية لتطبيق التنمية المستدامة، وضرورة تفعيل المشاركة الفاعلة لجميع الجهات والمؤسسات الحكومية والخاصة، وتطبيق الأنظمة والقوانين البيئية على الشركات المنفذة للمشاريع التنموية الحديثة أو إعادة البناء والصيانة لهذه المشاريع، وتنظيف الفياض.

وللأسف لم تجتمع اللجنة الثلاثية حتى تاريخ اليوم، وحتى تجتمع اللجنة وتقرر، ومن منطلق قول سموه: (إن المحافظة على البيئة بمختلف مكوناتها من موارد طبيعية وأحياء فطرية لا تكتمل بجهود الحكومة وحدها وإنما تحتاج إلى تضافر جهود الجميع فالبيئة أمانة في أعناقنا علينا أن نسلمها للأجيال القادمة لتنعم بخيراتها، ومن المؤمل أن يقوم كل منا بواجبه حتى يتحقق الهدف).

ومن منطلق أن يقوم كل منا بواجبه حتى يتحقق الهدف، لذلك أرجو رجاء من القلب إلى قلوب الجميع، خاصة أصحاب السمو أمراء المناطق، ومحافظي المقاطعات، وأمراء المدن والقرى والمراكز في المملكة العربية السعودية بأن يقوموا بحملة وطنية لتنظيف إماراتهم تحت شعار (وطن بلا نفايات)، وذلك بعمل برامج لتنظيف الفياض والروضات وعلى جوانب الطرق وإشراك كل جهة حكومية، من فروع للوزارات أو مدارس أو جامعات، أو شركات، أو مصانع، وكل مواطن في كل إمارة لأن من يلوث وطننا هم المواطنون والوافدون في كل إمارة، ولذلك عليهم المساعدة في تنظيف وطننا.

وأرجو ألا تصرف أموال للقيام بهذه الحملة الوطنية، وإنما يتم الصرف عليها مما يتحصل عليه من غرامات وعقوبات صارمة تفرضها كل إمارة على من يلوث البيئة من مواطنين وشركات وأفراد، وكذلك مما يجمع من تبرعات من مواطني كل إمارة وخاصة تجارها، وكذلك من تطوع الأفراد والهيئات والشركات للقيام بأعمال مختلفة تجاه نظافة كل إمارة.

وتكرم الإمارات الشركات والأفراد الذين يستحقون التكريم في احتفال وطني، تدعى إليه جميع الجهات ذات المشاركة الفعالة.

وأخيراً تذكروا وصدقوني، إن هذه الحملة الوطنية تحت شعار (وطن بلا نفايات)، سيكون له أثر كبير وفعال نحو جعل المملكة العربية السعودية من أنظف بلدان العالم، فاليد الواحدة لا تصفق، وتأكدوا أن كل مسؤول ومدير وأفراد في بلادنا سيقوم بواجبه نحو هذا الوطن المعطاء، لأن كل واحد من هؤلاء المسؤولين يحلم مثلي ومثلكم بأن تكون المملكة أنظف بلد في العالم، كما يحثنا عليه ديننا الحنيف (النظافة من الإيمان).



abdulmalikalkhayal@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد