Al Jazirah NewsPaper Monday  23/06/2008 G Issue 13052
الأثنين 19 جمادىالآخرة 1429   العدد  13052
يارا
عبد الله بن بخيت

في بيتي مجموعة من الكتب المتعلقة بالعمل السينمائي والتلفزيوني. أستعين بها كلما ألمت بي الحاجة إلى معرفة ما يدور حولي في هذا المجال الحيوي والخطير. علما أن ما تقوله هذه الكتب من تقنيات يجعلك تشعر بالإحباط عندما تتفرج على مسلسل تلفزيوني عربي أو مدبلج لكن المسألة لا تقوم على الجودة والإبداع أو على إتقان الصنعة. الذي يتفرج على الأفلام السينمائية المتعوب عليها ثم يتفرج على عمل عربي يكتشف أن في داخله آلية تحوطية تعمل على تكييف التوقعات وتهبيطها إذا لزم الأمر. الإنسان مجبول على حب المتعة. لا يرفض الإنسان المتعة البسيطة والساذجة عندما تغيب المتعة الحقيقية. يتنازل المرء عن معاييره كما يتنازل عندما يلعب مع الأطفال أو البسطاء. لا يجد المتعة في اللعب ولكن في المشاركة. هذا ما يحدث عند قراءة رواية بسيطة أو التفرج على مسلسل مكسيكي أو تركي أو أعمال محلية. لا يمكن للمرء أن يبقى أسير معاييره. لا بد أن يتماهى مع المجموع في تيههم. تصغير الملعب أو تخفيض عدد القوانين أو تبسيطها.

الفن في أساسه قائم على التواطؤ بين الفنان والمشاهدين. كل مشهد متفق عليه بين الطرفين. يعرف الطرفان أنه مصنوع ومنتزع من الخيال. هذا البعد يسمح بالتنازل عن الإتقان. في لحظة القراءة أو المشاهدة يتناسى الإنسان ما يحيط به من حياة حقيقية. يضبط وقته على وقت الأبطال. نهارهم نهاره وليلهم ليله ثم ينقل أحاسيسهم إلى وجدانه. يصبح واحدا منهم في النهاية. لا ينشأ ركض المشاهد مع الأبطال من المتعة الفنية التي ينتجها العمل ولكن من أحاسيسه. فالمشاهد وخصوصاً المرأة العربية تتفرج على هذا النوع من المسلسلات للبحث عما تعتقد أنه غائب في حياتها، وتظن أنه موجود فعلا في الحياة الحقيقية ولكنها لا تطوله بسبب التقاليد والظروف الموضوعية. تشبه في نظرتها هذه الأطفال عندما يتفرجون على سندريلا أو المارد الجبار. قلة الخبرة في الحياة تلعب دوراً في إكساب هذه الحياة الوهمية مفهوم الحقيقة. العلاقة ليست علاقة مشاهد بعمل فني ولكن علاقة بحث عن عاطفة مفقودة.

في المسلسلات المكسيكية والتركية هناك فيض كبير من الميلودراما. الأحداث العاطفية المتفجرة والحب المثالي والتركيز على الديكورات والملابس الأنيقة والشباب الوسيم ونساء الصالونات الحسناوات.

أتساءل لماذا لم يستطع المنتج العربي صناعة هذه المسلسلات على قلة كلفتها وسذاجة قصتها وفجاجة إنتاجها. لا تبدو المسألة بهذه البساطة. ميزة مسلسلات ال(سوب أوبرا) أنها تعتمد على ممثلين غير معروفين. ممثلون من الدرجة الثانية أو الثالثة لا وجود لهم في ذاكرة المشاهد. حيث يقدم هذا النوع من الدراما عوالم حالمة بأشخاص حقيقيين. الجو الذي يخلقه الاغتراب الثقافي والجغرافي يمنح المشاهد البعد الذي يحتاجه للتمويه. بمنطق كاذب يقول هذا لا يحصل عندنا لأننا متزمتون أو محافظون ولكنه يحصل في مكان آخر. إذاً هو حقيقة لا نملكها. هذا الجمال وهذه الحياة المفعمة بالحب موجودة في مكان قريب. لا يشبهها سوى وعود الأساطير في وجدان من سيطرت عليهم الأسطورة. تذكر كيف كنت تقرأ قصة عنترة بن شداد وتَفرَّج على نور.

فاكس: 4702164


yara.bakeet@gmail.com
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6406 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد