Al Jazirah NewsPaper Monday  23/06/2008 G Issue 13052
الأثنين 19 جمادىالآخرة 1429   العدد  13052
كلام لم ينشر في حينه
د.عبدالله الصالح العثيمين

كان اجتياح جيش صدام حسين، عام 1990م، لدولة الكويت عدواناً يرفضه كل منصف عاقل. وكانت له من الآثار السلبية المأساوية على أمتنا العربية ما أدركه وشاهده المتأملون في نتائجه. ومن المعلوم لدى الكثيرين أن أكثر قادة العرب قد أدانوا.....

..... ذلك الاجتياح. وكان ذلك هو الإنصاف والعدل. لكن فئات من الشعوب العربية - إضافة إلى عدد من الزعامات - أيَّدت الاجتياح المذكور، أو لم تدنه في أحسن الأحوال. وكان ذلك هو الجور والظلم.

ولقد سوَّد كاتب هذه السطور مقالة عن تلك الحادثة الكارثية بعد ارتكاب ما ارتكب بأسبوعين أو ثلاثة أسابيع، ولم ينشرها حينذاك، بل تركها مع أوراق أخرى في مكتبة منزله في عنيزة. وشاء الله أخيراً أن ينعث تلك الأوراق في تلك المكتبة، التي تتحلَّى بالفوضى بأجلى صورها، فإذا به وجهاً لوجه مع مسوَّدة تلك المقالة. وهو يدرك أن كثيراً من الأمور قد تغيَّرت، وأن كثيراً من المواقف قد تبدَّلت. لكنه مع ذلك لا يرى بأساً في نشر المقالة كما كتبها؛ إذ هي تصوِّر ما كان في ذهنه خلال تلك الظروف الحاسمة التي مرَّت بها أمتنا العربية. وها هي ذي مسوَّدة المقالة، التي كان الهدف الأكبر من تدوينها تعبير كاتبها عما كان يراه من أسباب اختلاف المواقف بشأن تلك الحادثة.

لعلَّ من المناسب قبل البدء بتلمُّس أسباب وقوف بعض الجهات المواقف التي اتخذتها تجاه ما حدث في منطقة الخليج الإشارة بإيجاز إلى عدَّة أمور قد تساعد في توضيح الصورة المتحدَّث عنها.

1- أن الموقف الذي اتخذته قيادات الدول المنتجة للنفط، وبخاصة القيادة السعودية، إثر حرب رمضان، سنة 1393هـ-1973م، قد دفع القيادة الأمريكية إلى التفكير في اتخاذ إجراءات تضمن استمرار سلامة مصالحها في منطقة الخليج. ثم تبلورت فكرة تكوين قوة الانتشار السريع، التي كان في طليعة أهدافها الاستيلاء على منابع النفط متى شعرت بالحاجة إلى ذلك.

2- أن الغرب يهدف إلى استقرار الأوضاع في منطقة الخليج. لكن الاستقرار الذي يهدف إليه هو المتمثِّل في الاستكانة المحلِّية أمام جبروته الهائل؛ فكراً واقتصاداً وقوة عسكرية، وليس الاستقرار الناتج عن الثقة بالنفس والاعتماد على الذات؛ ديناً وحضارة وقوة عسكرية.

3- أن الكيان الصهيوني - ومن ورائه الغرب؛ وبخاصة أمريكا - ظلَّ يقاوم بشدِّة أي محاولة جادة تقوم بها أيُّ دولة عربية لإنشاء صناعة حربية؛ ابتكاراً أو تطويراً، وبخاصة إذا كانت ذات أثر فعَّال في تغيير موازين القوى العسكرية. وما ضرب الكيان الصهيوني للمقر الذي بدأت به العراق مثل تلك المحاولة، عام 1401هـ، إلا دليل واضح على ذلك.

4- أن ما اكتسبته العراق من خبرة عسكرية عبر حرب باهظة الثمن مع إيران، وما حققته من نجاح في تطوير صناعتها الحربية، كانا مصدر قلق كبير للصهاينة ومن يؤيِّدونهم. وكان لا بد لهؤلاء من التربُّص لانتهاز أيِّ فرصة ملائمة للقضاء على تلك الخبرة وذلك النجاح.

5- أن قادة الدول الغربية ظلُّوا يرون مصالحهم في المنطقة العربية مرتبطة بالمصالح الصهيونية بشكل من الأشكال. ولذلك وقفوا، بعامة، مع الكيان الصهيوني، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً. وكان في طليعة أولئك قادة الولايات المتحدة الأمريكية، سيدة العالم في الوقت الحاضر بدون منازع.

وظلَّ سيف حق النقض (الفيتو) الأمريكي مصلتاً في وجه أيِّ قرار أممي يدين إجراءات الصهاينة التعسفية الإجرامية مجرَّد إدانة، ناهيك عن أن يقوم مجلس الأمن باتخاذ خطوات عملية لإحقاق الحق الفلسطيني العربي.

6- أن التجربة الذاتية للقوى الوطنية مع الغرب تختلف من قطر عربي إلى آخر. ولهذا الاختلاف أثره الكبير في تحديد مواقف كل قوة وطنية في تعاملها مع الغرب. فالجزائر، التي عانت ما عانت من الاستعمار الفرنسي لا بد أن يكون شعور شعبها تجاه أيِّ استعمار غربي مختلفاً عن شعور أيِّ شعب عربي لم يبتل بمثل ما ابتلي به الشعب الجزائري. أما معاناة الشعب الفلسطيني على أيدي الصهاينة المؤيَّدين من المتصهينين في الغرب فأمرها معروف لدى الجميع. لذلك لا يتصوَّر إلا أن يكون شعوره تجاه أولئك الصهاينة ومؤيّديهم شعور من حلَّت به مثل تلك المعاناة.

7- أن امتلاك القوة مهمّ وضروري لأيِّ دولة في عالم تسيِّره القوة أكثر مما يسيِّره العدل. لكن الأهم والأكثر ضرورة أن يقترن امتلاك القوة بحكمة تنظِّم الأمور المتَّصلة بها؛ إعلاماً واستعمالاً. لقد امتلك الكيان الصهيوني القوة، لكنه ظلَّ يظهر نفسه على أنه الضعيف المحاط بأعداء أقوياء، فكسب، إعلامياً، كثيراً من فئات الرأي العام العالمي، وتمكّن من استخدام قوته في العدوان على العرب وممارسة أنواع من القهر ضد الفلسطينيين دون أن يجد ذلك العدوان وتلك الممارسة ما يستحقانه من إدانة عالمية. وامتلكت العراق قوة عظيمة، لكن قيادتها لم تمتلك الحكمة؛ إذ راحت تطلق التصريحات، التي استغلَّها أعداؤها أبرع استغلال لتأليب الرأي العام العالمي عليها. وفي الوقت الذي أصبح الرأي العام العالمي فيه مهيّأً للوقوف ضدها أقدمت على استعمال تلك القوة في غير موضعها الصحيح؛ وذلك باحتلالها أرض جارتها الكويت، التي وقفت معها؛ اقتصادياً، في حربها مع إيران؛ دفاعاً عما رأته معظم قيادات الخليج العربية من مصلحتها.

ومن الواضح أن احتلال جيش صدام حسين للكويت ليس جريمة منكرة يجب أن تزال ويحاسب مرتكبها فحسب؛ بل هو دليل على مدى ما قد يصل إليه غباء الدكتاتورية بحيث ترتكب ما هو واضح الخطأ. ذلك أن الكويت دولة مستقلِّة اعترفت باستقلالها جامعة الدول العربية والأمم المتحدة، فهي عضو فيهما، كما اعترفت بها دول العالم كلها. بل إن الدولة العراقية نفسها قد تبادلت معها السفراء. وإضافة إلى هذا كله فالكويت ذات ثروة مهمة للدول المهيمنة - بدرجة كبيرة - على شؤون العالم. ولذلك فمن غير المعقول أن تقف دول مجلس التعاون الخليجي، التي تكوِّن الكويت معها هذا المجلس متفرِّجة على ما ارتكب، ولن تبقى الدول الكبرى ذات المصالح في المنطقة دون حراك. ولا شك أن الجريمة ستزال آثارها بطريقة من الطرق؛ سلماً أو حرباً. لكن عاقبة الاحتلال المشؤوم ستكون وبالاً على العراق بخاصة، وعلى العرب وقضاياهم، لا سيما قضيتهم الكبرى.. قضية فلسطين.. بعامة.

أما بعد:

كانت تلك هي المقالة، التي كُتبت بُعَيد احتلال جيش صدام للكويت، ولم تنشر في حينها. وما حدث بعد كتابتها ليس ببعيد مما أشير إلى احتمال وقوعه نتيجة لذلك الاحتلال. والنتائج التي ترتَّب عليه لا تحدُّ كارثيتها حدود. فقد اتُّخذ وسيلة من وسائل القضاء على قوة العراق من جميع الوجوه، ثم إلى احتلال ذلك القطر العربي الإسلامي؛ وهو الاحتلال الذي أدَّى إلى فواجع كثيرة؛ انتهاكاً للسيادة، وهتكاً للأعراض، ونهباً للثروة بطرق متنوعة، وسرقة للتراث وتهريبه؛ إضافة إلى خلق الفتنة الطائفية والعرقية، التي تنذر بأن آثارها المدمِّرة ستبقى زمناً الله أعلم بنهايته. ومن النتائج المترتبة على احتلال جيش صدام للكويت ترسيخ الإقليمية والقبلية في المنطقة، وتمهيد الطريق أمام الوجود العسكري الأمريكي المتصهين فيها. وإذا كانت جرائم أمتنا بحقها متوقَّّعة الحدوث مهما أظهر اللاهثون وراء سراب الأمنيات فإن جرائم أناس منها بحقها أشدُّ مضاضة وأنكى فتكاً.



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5896 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد