Al Jazirah NewsPaper Monday  23/06/2008 G Issue 13052
الأثنين 19 جمادىالآخرة 1429   العدد  13052
الحبر الأخضر
لنتصالح مع التاريخ
عثمان بن صالح العامر

للماضي أو (التاريخ) أهمية عظيمة في حياة الفرد والمجتمعات، إذ إن من يفهم التاريخ سواء المحكي منه أو المكتوب يكون أقدر على سياسة حاضره والتعامل مع مستقبله الخاص والعام، فاليوم - كما قيل- وليد الأمس وجنين الغد، بل إن المستقبل يكاد يكون ملكاً لمن أدرك الماضي وفهم دلالاته وعبره ووقف على السنن التي تحكم سيره وتوجه أحداثه ووقائعه.....

.....ولكن ما يجب أن يكون حاضراً في أذهاننا ونحن نقرأ ونحلل وننقد ما قيل أو سطر من أحداث ووقائع أن دراسة تاريخنا لا تستقيم من خلال مفاهيم الأوروبيين الخاصة عن الدين والدولة والمجتمع والكنيسة، ولا من خلال عقائدهم في الله والإنسان، أو تاريخهم الفكري والاجتماعي والديني والسياسي على حد سواء!، ومتى وجدت مثل هذه الدراسات القائمة على المفاهيم الغربية فستكون هناك مغالطات شديدة وأخطاء فاحشة قد تصل في كثير من الأحيان إلى حد قلب المفاهيم وتبديل الأوضاع، كما لا يغيب عن بالنا ونحن نقوم بهذا الصنيع العلمي والمصيري المهم أن وقائع المسلمين المنقولة إلينا ليست هي أصل الدين ولا هي مصدر الحكم الذي تؤخذ منه الحقيقة الدينية المطلقة، فهي لا تعدو - في أحسن أحوالها - أن تكون محاولة من المسلمين حكاماً وشعوباً في هذا الزمن أو ذاك لتطبيق النص الشرعي في حياتهم المعاشة، وجزماً قد تختلف الظروف والمعطيات ولو نسبياً عمّا نحن فيه من حال.. ولا يقتصر الاعتبار لدينا بتاريخ أمتنا خاصة والانتهاء عند حدوده، وإنما المطلوب منا السير في الأرض والتوغل في التاريخ العام لاكتشاف السنن والقوانين التي تحكم الحياة والأحياء والتحقق من نفاذها وحكمها في عملية السقوط والنهوض، فالسنن لا تحابي أحداً {قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِينَ * هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ}.. ومما تجدر الإشارة إليه هنا أن التاريخ بشكل عام، والتاريخ الإسلامي بشكل خاص ليس هو التاريخ السياسي، تاريخ الدولة بأجهزتها المتعددة، وإنما هو تاريخ الأمة بشكل عام، لذا فإن من الخطأ العلمي الاقتصار حين كتابة التاريخ على الجانب السياسي، كما أنه من التضليل الاقتصار على إبراز الجوانب المشرقة وتضخيمها في التاريخ، وتغييب أو إسقاط فترات الانكسار والهزيمة والسقوط التي قد تمثل النقاط السوداء والسلبية في مسيرة الأمة، ذلك أن التاريخ وعاء لفعل الأمة، وتسجيل لحركتها ومدى فهمها لقيمها، واستجابتها لها، وقدراتها على تنزيلها على الواقع. وهذا الوعاء لا بد أن يسجل بأمانة ودقة ومسؤولية، فالانحياز العاطفي حين كتابة التاريخ ومحاولة إيجاد المسوغات والمبررات الوجدانية والحماسية غير الموضوعية وتجاهل بعض السلبيات إن وجدت سوف يسهم باستمرار حالة الركود والتخلف التي تعاني منها أمتنا اليوم، وحاجتنا لمعرفة الشر ودراسة أسبابه قد لا تقل أهمية في المجال التربوي والثقافي وإعادة البناء للحاضر واستشراف المستقبل عن حاجتنا إلى معرفة الخير ودراسة أسبابه والطرق الموصلة إليه، وقد يكون من أبرز خصائص هذه الأمة وجود المعايير الثابتة الضابطة والمعصومة لمسيرة العقل الإنساني والفعل البشري المنبثقة عن الوحي الإلهي كقيم معيارية خارجة عن وضع الإنسان غير منحازة لفعله، أو تبريره، وغير متأثرة بتكوينه وظروفه، والتي يمكن من خلالها تحديد مواطن الخطأ والصواب، والسداد والانحراف، والتعرف إلى أسبابهما وكيفية التعامل مع آثارهما، لذلك تأتي الدراسة والتقويم من خلال قيم الكتاب والسنة عملية منهجية لا تتأثر نتائجها ولا مناهجها بالإنسان صاحب الفعل الذي ينحاز بطبعه إلى فعله ويحاول الدفاع عنه أو التستر عليه.

إنها دراسة منهجية محكومة بقيم معصومة ثابتة، وليست محاولة مذهبية تتحكم فيها فلسفات الإنسان وأهوائه الشخصية والنفعية بحيث يصبح فعله هو محل البحث ويصبح هو وسيلة البحث وأداته، وهذه هي الخطوة الأولى والأهم في مسيرة تصالحنا مع التاريخ الذي لم ولن يحابي أحداً مهما كان، ولن تتغير سننه من أجل فلان أو علان، وأتحدى من يقول غير ذلك.



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6371 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد