Al Jazirah NewsPaper Monday  23/06/2008 G Issue 13052
الأثنين 19 جمادىالآخرة 1429   العدد  13052

هذه بعض أفكار قاسم أمين يا من تدافعون عنه!

 

رئيس تحرير جريدة الجزيرة - وفَّقه الله .السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

فقد اطلعت على مقال الكاتب عبدالله بن بخيت في جريدة الجزيرة عدد (13040) في الدفاع عن قاسم أمين أحد أبرز دعاة تحرير المرأة في العالم العربي, حيث ذكر الكاتب أنّ الانتقاد الذي يجده قاسم لا يعدو أن يكون موروثاً تناقلته الأجيال دون أن تقف على حقيقة أمين من خلال الاطلاع على كتبه؛ وذكر الأستاذ عبدالله أنّه واجه مجموعة من الخطباء والوعّاظ وناقشهم في أمين ولم يجد منهم من قرأ كتبه, فتساءل لمَ الهجوم عليه إذن؟! رغم أنّه أعني الكاتب لم يقرأ تلك الكتب جيداً وإلاّ لما دافع عنها؟! وسيتضح من النقولات بعض الأفكار والشُّبه التي كتبها قاسم أمين ودافع عنها الكاتب، شعر بذلك أو لم يشعر!

بعد دراسة قاسم أمين في فرنسا بهرته الحضارة الغربية فعاد إلى بلده بغير الوجه الذي ذهب به, فبدأ بذم بلده مصر واحتقارها رغم أنّه دافع عنها في كتابه (المصريون) كردّة فعل حينما قرأ كتاب (سر تأخر المصريين) لداركير الذي هاجم فيه المصريين ونساءهم واحتقر حجابهن وحرض المثقفين عليهن, إلاّ أنّ هذا الدفاع لم يكن بذاك، حيث قال وهو يخطب ودّ المؤلف (إنّ الإسلام دين خلقي لا يقل عن المجوسية ولا عن المسيحية)، وقال أيضا (ومصر أمامها طريقان: العودة إلى تقاليد الإسلام أو محاكاة أوروبا, وقد اختارت الطريق الثاني ..).

ورغم تنازله في رده عن كثير من المبادئ إلاّ أنّ رده أغضب الأميرة (نازلي فاضل) ابنة الأمير مصطفى فاضل باشا والتي كانت تميل إلى الإنجليز كثيراً؛ فاستخدمت نفوذها وطلبت من جريدة (المقطم) تعقب آراء قاسم أمين في كتابه (المصريون) وتفنيدها، وعملت هالة إعلامية كبيرة لثنيه عن تلك الآراء، مما اضطر أمين للتراجع عن آرائه المطروحة ابتداء؛ بمباركة من سعد زغلول ومحمد عبده, وقدّم قاسم أمين للأميرة اعتذاراً شفوياً تم قبوله, ثم أتبعه باعتذار خطِّي وسمه ب(تحرير المرأة) كعربون صداقة للأميرة نازلي!! وكان لتأليف هذا الكتاب ردود فعل ساخطة ليس في مصر فحسب؛ بل في دول أخرى كالعراق والشام.

وقد ركّز في كتابه هذا على الحجاب وعمل المرأة والتعدُّد والطلاق, واعتبر الحجاب أصلاً من أصول الأدب, ولكن عاد ليلوي النصوص لتتفق مع مراد نازلي فقال (إنّ الشريعة ليس فيها نص يوجب الحجاب على الطريقة المعهودة؛ فهي عادة عُرفت من مخالطة بعض الأمم فاستحسنوها وأخذوا بها وبالغوا فيها وألبسوها لباس الدين كسائر العادات الضارة)!!

وهنا تناقض واضح فالمرأة لما لبست الحجاب وسموها بالشذوذ في الوقت الذي يرونه وافداً غريباً جاء بسبب الاحتكاك بالآخرين!!

فقاسم أمين ألبس آراءه لبوس الكتب والسنة ولكنه راغ منهما كما يروغ الثعلب! حتى تساءل أحمد شوقي أكان قاسم أمين يغار على الإسلام أم يغير عليه؟! فقال في الشوقيات (2 - 168):

ولك البيان الجزل في

أثنائه العلم الغزير

حتى لنسأل هل تغار

على العقائد أم تغير

ولهذا المنهج (الملتوي) أتباع يطوّعون النصوص على أفهامهم لتوافق أهواءهم, وهم من قصدهم الدكتور محمد حسين حينما قال (أحب أن أسأل الذين يحاولون أن يسوغوا باطلهم الذي يقحمونه على إسلامنا بمزاعم يتحايلون على إلصاقها بالدين ونصوصه، أحب أن أسأل سؤالاً حاسماً يفرق بين الحق والباطل: هل تعلمون أنّ أحداً من المسلمين قد دعا قبل اليوم بدعوتكم؟ فإذا كان ذلك لم يحدث من قبل فهل تستطيعون أن تزعموا أنّ صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم وفقهاء المسلمين قد غفلوا جميعاً عن فهم نصوص دينهم حتى جاء هؤلاء الذين أوحى إليهم شياطين الجن والإنس في باريس من أمثال قاسم أمين فانتكس تفكيرهم بين معاهدها ومباذلها حين لم يعتصموا في دين الله بحبل متين ولم يأووا بهديه إلى ركن رشيد وذلك حين بعثوا إلى تلك البلاد لينقلوا إلينا الصالح النافع من علومها وصناعاتها فضلّوا الطريق وعادوا إلينا بغير الوجه الذي بعثوا به ..).

وقد ألّف العلماء الكثير من المؤلّفات المبنية على الكتاب والسنّة في الرد على شبه قاسم أمين ودحض حججه المتهافتة وتهجمه على الإسلام ومبادئه وحث النساء على التمرد والفساد والانحلال, وكان من أول الكتب في الرد على قاسم أمين (تربية المرأة والحجاب) ل(محمد طلعت حرب) وجاء فيه (إنّ رفع الحجاب والاختلاط كلاهما أمنية تتمناها أوروبا من قديم الزمان لغاية في النفس يدركها كل من وقف على مقاصد أوروبا في العالم الإسلامي)!

ولم تقتصر الردود على العلماء والأدباء على تلك الشبه والمزاعم بل كان للشعراء موقفهم من تلك الهجمة الشرسة, فهذا أحمد محرم وهو من كبار الشعراء في عصره يقول مستنكراً:

أغرّكِ يا أسماء ما ظن قاسم

أقيمي وراء الخدر فالمرء واهم

تضيقين ذرعا بالحجاب وما به

سوى ما جنت تلك الرؤى والمزاعم

سلام على الأخلاق بالشرق كله

إذا ما استبيحت بالخدور الكرائم

أقاسم لا تقذف بجيشك تبتغي

بقومك والإسلام ما الله عالم

وبعد كتاب (تحرير المرأة) ألّف قاسم أمين كتابه (المرأة الجديدة) والذي كشف فيه القناع عن فكره وأهدافه بصورة جليّة, ولن أسهب في الحديث عن هذا الكتاب، ولكن سأذكر بعض المقتطفات التي تبيِّن التوجُّه الحقيقي لأدعياء التحرر والذين يجدون ضالتهم في كتب قاسم وينافحون عنه وعن أفكاره.

يقول أمين في معرض حديثه عن المرأة الأوربية التي قصدها في كتابه المرأة الجديدة: (هذا التحول هو كل ما نقصد؛ وغاية ما نسعى إليه هو أن تصل المرأة المصرية إلى هذا المقام الرفيع, وأن تخطو هذه الخطوة على سلم الكمال, وأن تكون مثلها تحرراً, فالبنات في سن العشرين يتركن عائلاتهن، ويسافرن من أمريكا إلى أبعد مكان في الأرض وحدهن، ويقضين الشهور والأعوام متغيبات في السياحة، متنقلات من بلد إلى أخرى، ولم يخطر على بال أحد من أقاربهن أن وحدتهن تعرضهن إلى خطر ما، وكان من تحررها أن يكون لها أصحاب غير أصحاب الزوج، والرجل يرى أن زوجته لها أن تميل إلى ما يوافق ذوقها وعقلها وإحساسها، وأن تعيش بالطريقة التي تراها مستحسنة في نظرها), ويقول أيضاً: (والذي أراه أن تمسكنا بالماضي إلى هذا الحد هو من الأهواء التي يجب أن ننهض جميعا لمحاربتها؛ لأنه ميل إلى التدني والتقهقر .. هذا هو الداء الذي يلزم أن نبادر إلى علاجه، وليس له من دواء إلا أننا نربي أولادنا على أن يعرفوا شؤون المدنية الغربية، ويقفوا على أصولها وفروعها وآثارها, إذا أتى هذا الحين انجلت الحقيقة أمام عيوننا ساطعة سطوع الشمس؛ وعرفنا قيمة التمدن الغربي).

ويقول (إن الحجاب على ما ألفناه مانع عظيم يحول بين المرأة وارتقائها، وبذلك يحول بين الأمة وتقدمها), ويقول (إن الضرر في الحجاب عظيم).

ويقول (إن المرأة التي تحافظ على شرفها وعفتها وتصون نفسها عما يوجب العار وهي مطلقة غير محجوبة لها من الفضل والأجر أضعاف ما يكون للمرأة المحجوبة؛ فإن عفة هذه قهرية, أما عفة الأخرى فهي اختيارية، والفرق كبير بينهما).

ويقول (من المشاهد التي لا جدال فيها أن نساء أمريكا هن أكثر نساء الأرض تمتعاً بالحرية، وهن أكثر اختلاطاً بالرجال، حتى أن البنات في صباهن يتعلمن مع الصبيان في مدرسة واحد، فتقعد البنت بجانب الصبي لتلقي العلوم، ومع هذا يقول المطلعون على أحوال أمريكا: إن نساءها أحفظ للأعراض وأقوم أخلاقاً من غيرهن، وينسبون صلاحهن إلى شدة الاختلاط بين الصنفين من الرجال والنساء في جميع أدوار الحياة) .. والواقع حالياً يكذب هذا الإدعاء إذ إنّ التعليم المستقل بدأ ينتشر, وهناك نداءات متكررة من عقلائهم بفصل التعليم بين الجنسين كلياً! ويقول: (إن في تعدد الزوجات احتقاراً شديداً للمرأة) فهل بعد هذا الاحتقار لأحكام الإسلام شيء؟ وهل يسوغ الدفاع عن شخص هذا مبدؤه وهذه أفكاره التي نذر نفسه للدفاع عنها؟

باختصار شديد كتبت, ومن اطلع سريعاً على كتبه سيجد المزيد من الشبه والدعوة إلى التحرر التي لم يجدها الكاتب ابن بخيت أو رأى بأنها لا ترقى لمستوى النقد والتحذير! وأنصح بقراءة الكتاب القيم (عودة الحجاب) بأجزائه لمؤلفه: محمد أحمد إسماعيل وفقه الله, وكتاب (المشابهة بين قاسم أمين في كتابه تحرير المرأة ودعاة التحرير في هذا العصر) للشيخ سليمان الخراشي وفقه الله .

أسأل الله أن يحفظ علينا ديننا وأمننا وأن يردّنا إليه رداً جميلاً.

يوسف بن محمد القويفلي - الخرج


 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد