Al Jazirah NewsPaper Tuesday  24/06/2008 G Issue 13053
الثلاثاء 20 جمادىالآخرة 1429   العدد  13053

نحن انتظار
علي أحمد المضواح

 

من على شرفة الزمن نستقبل وفود الأيام.. نصافح أحداثها ونهمس لوقائعها.. ونصارع عواديها.. ثم نودِّعها بعد أن مَهَرت بيدها في دفاتر أعمارنا.. ومن على ذات الشرفة نلوح بأيدينا للألم والفرح على حد سواء ونخبئ في رحم الأيام كل من استقبلنا.. وذاك هو الزمن.

وعجبي منه كيف تتبادل أطراف مثلثه أدوارها فتجعلنا في (لحظتنا) نذكر (الماضي) ونحلم (بالقادم).. وربما تمردنا فجعلنا من القادم (ذكرى) ومن الراحل (أملاً)!

عجبت منه ومن جحافله! فكم غزت أعمارنا حاملة لواء الأمس تارة ولواء اليوم تارة ولواء الغد تارة أخرى.. واتسعت مساحات الحزن ولو كانت هنيهات.. وضاقت مساحات الفرح ولو كانت سنين.. عجبت منه كيف انثنت تحت سطوته حضارات الأقوياء.. وبادت تحت قوته مدائن الجبابرة.. واختزلت الأعمار في (كلمة).. ومُدَّت (الكلمة) في (أعمار).. فأعمار القوم (انتظار) والانتظار (أعمار قوم)..

عجبت منه كيف جعل من أجسادنا الطرية في طفولتها حلماً بقوتها.. وفي قوتها خوفاً وترقباً لوهنها.. ومن أرواحنا ذكرى ماضٍ رحل.. أو أملاً قادماً منتظراً!

عجبت من مسافات في انتظار الغائب تطول وهي قصيرة.. وفي وجود الحاضر تقصر وهي طويلة.. وذلكم هو الزمن وسره الذي وارى الله فيه علم الساعة وصيحتها.

وعجبت منه أخيراً كيف جعل منا (انتظاراً).. وهل نحن بوجوده إلا (انتظار) قد لا يطول إن صدق القائل:

أتى الزمانَ بنوه في شبيبته

فسرَّهم وأتيناه على الهرم

(المتنبي)

almdwah@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد