Al Jazirah NewsPaper Tuesday  24/06/2008 G Issue 13053
الثلاثاء 20 جمادىالآخرة 1429   العدد  13053
يا عقلاء الأمة.. أفيقوا
رمضان جريدي العنزي

هناك خيول لا تتأثر أصلاً بالمسافات الطويلة، فلها من المسببات الفسيولوجية والجسدية ما يجعل تعبها أو نكوصها نوعاً من الصعوبة البالغة، بيد أنني أشعر أن ما يحدث في القنوات الفضائية التي يعج بها الفضاء التي تدعي الحفاظ على التراث شعراً وفناً ورقصاً وفلكلوراً لا يدعو إلى الرضا المشبع بالصمت

ومواصلة الركض، بل إنني لا أفهم سبباً واحداً لمحاولة هذه القنوات هدم الذوق العام وخدش حيائه ومحاولة وأده، إن أكبر عاهة مارستها تلك القنوات البائسة الفقيرة هي قلبها لكل المعادلات الثقافية والحضارية رأساً على عقب.

إن سلوك أصحاب تلك القنوات هو سلوك سلبي يجب على عقلاء الأمة وعلمائها ومفكريها ورجالها المخلصين أن يعملوا على وقف هذه القنوات والتصدي لها ولفكرها ويجب توعية وإرشاد وتنبيه أصحاب وملاك والمنتمين لهذه القنوات حتى يعوا أن ما يقومون بفعله هو نوع من أنواع شق الصف الوطني وسحق الوطنية وخنقها، ومحاولة مستميتة لفسخ وتذويب هذه الفسيفساء واللحمة الوطنية العظيمة ومحاولة استبدالها بغوغائية قبلية مدحاً وتمجيداً.

إن هذه القنوات تنشر ثقافة طائفية ومذهبية وعنصرية قبلية وتغذي المجتمع بالتطرف والحقد بشكل يومي وهي تشكل خطراً فادحاً ومميتاً على الحس الوطني أخطر من رصاص طائش من فوهة بندقية بيد مراهق عاق، وتعمل جاهدة بشكل مستميت لفرض أيديولوجية ثقافية وانحراف فكري جاهلي ويزرعون الفضاءات الواسعة لا بالغيم والمطر وألوان قوس قزح الرائعة، بل بالعدوانية والشغب الفوضوي ويملكون أبجدية جنون..

إن هذه القنوات لا تمنحنا الأمان.. بل تصير الفضاء والمدار حولنا لهباً وناراً..إنها لا تمنحنا قمراً مضيئاً.. ولا شمساً دافئة.. ولا زهرة برتقال.. أو عريشة عنب.. أو قصائد لها خيالاً جميلاً ورائحة ياسمين..

إن هذه القنوات الفضائية تجعل كل بيوتنا عرضة للإسفاف الفكري والأبجدية الحجرية الصلدة التي ترمي بها أسماعنا وعيوننا بها صباح ومساء..

إن هذه القصائد التي يرسمونها لنا.. ليس لها شكلاً هندسياً جميلاً.. ولا لوناً جميلاً.. ولا حتى مفاجآت جميلة..

إنهم لا يكتبون القصيدة للحلم أو اليقظة.. ولا يدعوننا في قصائدهم على مائدة الوطن..وليس هم أوفياء للوطن كالشمس..

إنهم يوقظون أطفالنا كل صباح بجرس القبيلة.. ويمضون فيهم كل مساء إلى مسافات الانتكاس الثقافي والنشيد طرح القبيلة.. إمعاناً وإذلالاً لنا ولهم..

إن هذه القنوات الفضائية.. لها شعراؤها.. ولها مغنوها.. ولها مهرجاناتها.. ولها فصولها.. ولها حالة حلم باهت.. ولها حالة تأهب باهتة..

إنها لا تتوب عن نشر القصائد الميتة.. ولا عن تمجيد (المومياء) العتيقة..

إنها غير قادرة على رسم الحلم الجميل.. لأن الأحلام القابعة في ذاكرة شعرائها وكتابها ومغنيها وملحنيها غير قابلة للتطور.

إنهم لا يهدوننا في قصائدهم عطراً.. ولا نجماً.. ولا قلائد فل.. ولا كوكباً يزف لنا بشائر المطر..

لتنبت لنا سنابل القمح والذرة.. أو يدعوننا لحفلة وطنية حول نافورة ماء.. وغناء عصافير..

ولحن أطفال للمجد يصدحون ويغنون..

إن هذه القنوات تحاول رينا باسم القبيلة.. وتحاول رزقنا باسم القبيلة.. وتحاول غسلنا باسم القبيلة..

وحتى نجاحات الوطن تحاول نسبه إلى القبيلة..

إنها تحاول تلقيننا شعراً عديماً إرضاءً لخاطر القبيلة وصوناً لها..

إنها لا تحاول دعوتنا لمهرجانات وردية للوطن.. أو تزرع في أطفالنا ثقافة الانتماء..

إنها تدعونا وتدعو أطفالنا إلى (النكوص) إلى الوراء قروناً عتيقة..

إنها تريد أن ترجعنا إلى حالة التنويم المغناطيسي والفوقية عرقاً وانتماءً.. ناسية أو متناسية العمل العظيم والنادر (لمؤسس) هذا الوطن الكيان الممتد من الرمل إلى الرمل ومن اليابسة إلى اليابسة ومجهوده الجبار عرقاً وتعباً ونصباً وسهداً، ودأبه في إيجاد أرضية صلبة غير قابلة للتجويف والانكسار والزلزلة لهذا الوطن الشامخ العظيم.

إن عليكم يا عقلاء الأمة أن تنتبهوا لهؤلاء الذين ينشرون ثقافة تمزيق اللحمة الوطنية والرجوع بها لنعرات طائفية مذهبية فاسدة.

ranazi@umc.com.sa

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد