Al Jazirah NewsPaper Saturday  28/06/2008 G Issue 13057
السبت 24 جمادىالآخرة 1429   العدد  13057
يارا
عبد الله بن بخيت

انتظرت وآمل ألا يطول انتظاري. أصبحنا في داخل الصيف ولم أقرأ بعد مقالا واحدا يذكر المثل الشهير (الصيف ضيعت اللبن). لا أذكر أن صيفا مر علي دون أقرأ كتابات تتضمن استشهادا بهذا المثل. لا ينافسه ويتفوق عليه في الدوران في المقالات سوى قول المتنبي (عيدٌ بأية حال عدت يا عيد). فالصحافة مقسمة على الفصول والمواسم. هناك مئات المقالات والتحقيقات الصحفية تكرر سنة بعد أخرى. فقط غيِّر التاريخ وانشر.

درسنا مَثَلَ الصيف هذا كنموذج لصعوبة الإعراب وكثرة خفاياه. أتذكر أن هناك مشكلة في (التاء) من كلمة ضيعت. هل الصيف هي التي ضيعت اللبن أو المرأة هي التي ضيعت اللبن. الشيء الملفت للنظر أن هذا المثل على كل لسان ويدرس في الجامعات ولم يثر فيه سوى المماحكة اللغوية التي اخترعها النحويون. يقرؤون قصته مرة تلو الأخرى دون أن تلفت نظرهم الطريقة التي صيغت بها القصة. تقول قصة المثل: (دختنوس بنت لقيط بن زرارة كانت تحت عمرو بن عُداس، وكان شيخاً كبيراً فَفَرَكَتْهُ (أي كرهته) فطلقها، ثم تزوجها فتى جميل الوجه، أجدبت فبعثت إلى عمرو تطلب منه حَلُوبة، فقال عمرو: (في الصيف ضيعت اللبن) فلما رجع الرسول وقال لها ما قال عمرو ضربت يدها على منكب زوجها، وقالت: (هذا ومَدْقُهُ خيرٌ) تعني أن هذا الزوج مع عدم اللبن خيرٌ من عمرو، فذهبت كلماتها مثلاً). لا يوجد في القصة أي طرافة أو متعة ولا أعرف لم ذاع هذا المثل لكن عندما يقول: (كانت تحت عمرو بن عداس) أي كانت زوجته يصبح للمثل قصة أخرى. هذا التعبير يحمل في داخله بعدا ثقافيا. ما هو مصدر هذا التعبير وما علاقته بواقع المرأة في الموروث الثقافي القائم الآن. درسنا هذا المثل في الجامعة واختلفنا فيه نحوياً ودلالياً وتخرجنا لا أتذكر أن أحداً أشار إلى هذا التعبير الثقافي المنطوي في قصته.

الثقافة والمواقف الوجودية الأساسية لا تنتقل إلى العقل والوجدان بشكل مباشر. تتسلل خفية من زوايا مخادعة. أكثر من يعرف هذا الشيء هم خبراء الإعلان والدعايات (البروبوجندا) السياسية وأصحاب الأيدلوجيات. لا تنجح الدعاية أو القولبة الثقافية إذا جاءت بشكل مباشر.. لو قرأت بعض الفتاوى وبعض القصائد الشعرية والقصص الشعبية وغيرها من النصوص الثقافية يمكن أن تقف على أوجاع فكرية لا حصر لها. أتذكر في المرحلة الابتدائية، كان أستاذ اللغة العربية يقص علينا قصصاً تراثية. قال مرة إن هناك مخلوقات عظيمة يبلغ طول الفرد مها مئات الأمتار تفصلنا عنهم جبال شاهقة. لا تسمح هذه الجبال أن نراهم أو يروننا. بعد سنوات طويلة تمنيت أن أرى الأستاذ وأسأله: كيف عرفت عن هؤلاء؟ المدرس اختفى ولكن غياب العقل استمر والجرعة الثقافية استقرت.

فاكس: 4702164


Yara.bakeet@gmail.com
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6406 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد