Al Jazirah NewsPaper Saturday  28/06/2008 G Issue 13057
السبت 24 جمادىالآخرة 1429   العدد  13057
كيف ينظر إلينا الآخرون؟!
فوزية البكر

كافيتيريا معهد التربية بجامعة لندن كان المكان الذي تلتقي به كل الفرق، وتظهر الصراعات بين جماعات الطلبة ممن ينتمون لأحزاب سياسية أو إنسانية أو طبيعية.. اتحاد الطلبة النشط كان يحتل موقعا مناسبا من هذه الكافيتيريا كي يكون قريبا منا ويمطرنا كالعادة كلما جلسنا لتناول وجبة أو قهوة بالكثير من إعلاناته و أخبار أنشطته..

كانت الساعة الواحدة ظهرا هي قلب الحدث فمعظم المحاضرات تتوقف لفترة الغداء ونصطف نحن الطلبة في صبر متعود عليه لالتقاط كأس الشاي بالحليب المعد سلفا ووجبة باردة أو حارة كما توفر لك نقودك.

وكفتاة من الشرق المحافظ في ممارساته السياسية والطلابية كان ما يحدث حصة تعلم حقيقية.. من الذي يتكلم وعم يتكلم وكيف يتكلم وكم من الوقت يلتزم.. وكيف تكون دقيقا ومحددا وواضحا دون تطويل كلها ثقافة المناخ التي يتم تعلمها..

ولعل أكثر ما لفت انتباهي هي طبيعة الموضوعات الشائكة التي كانت تطرح وعلى رأسها موضوع العنصرية ضد الملونين في بريطانيا وبالتحديد من ذوي الأصول الإفريقية حيث يقف الطالب بكل جراءة ليرمي في وجوهنا بكل تحزباتنا ويناقش مشاعرنا العنصرية الملتفة تجاهه من خلال ما يبدر منا على المستوى اليومي أو من خلال ما يواجهه في الشارع، وكم صرخ في وجه فتاة بيضاء أو صفراء مثلي -حسب أصولها العرقية- سائلا إياها بصراحة إن كانت تشعر بنفس درجة الطمأنينة حين تستقل المصعد الكهربائي فيما لو صادف أن كان الراكب الآخر أسمر مقارنة برجل أبيض رغم ارتفاع نسبة الجريمة حتى بين البيض.

هذا النوع من الأسئلة المقلقة التي تصنع وعينا بذواتنا وتتداخل في أساليب التنشئة الاجتماعية التي ترسبت في قناعاتنا دون وعي منا.. هو ما كان يدهشني.. أصدقكم القول إنني في أول الأمر كنت أشعر بمبالغتهم وكنت -كفتاة تأتي من شرق لم يعتد على طرح ما يقض المضاجع- أكاد أردد مع القافلة: نحن بخير وقيمنا و... وتمنحنا الكثير من المفاهيم والممارسات التي تجعلنا (لا نملك أو على الأقل لا نصرح لأنفسنا) بمشاعر مثل هذه؟ كنت أقول في نفسي: نعم نحن لدينا الكثير من التحزبات الذاتية لكن الزمن كفيل بغسلها وتخفيفها دون ضرورة مناقشتها في العلن كما يفعلون، فلماذا يعمدون بقصد لتفتيح جراحهم الآن..؟

ما الذي حدث منذ تخرجت حتى الآن؟.. إن كمية المشاعر العنصرية المضادة زادت مع كل توترات العالم المحيط وكما يقول مارتيا صن في كتابه الجميل (الهوية والعنف.. وهم المصير الحتمي - إصدارات عالم المعرفة الكويتية): (الحق أن العالم يرى بشكل متزايد ولو كان ذلك ضمنيا فقط كفدرالية من الأديان أو الحضارات، مما يؤدي إلى تجاهل كل طريقة أخرى يرى بها الناس أنفسهم.. هذا الخط من التفكير يدعمه افتراض غريب أن الناس في هذا العالم يمكن أن يصنفوا وفقا لنظام فصل انفرادي وشامل.. إن التقسيم الحضاري أو الديني لسكان العالم يؤدي إلى مقاربة انعزالية للهوية الإنسانية والتي ترى الكائنات البشرية كأعضاء في جماعة واحدة بالضبط والتي تعرف في هذه الحالة بالحضارة أو الدين بالإضافة إلى كل أنواع التقسيمات السابقة التي تعتمد القوميات والطبقات) وهو مما أدى فيما نرى إلى كل هذه النزاعات الهائلة التي تمزق العالم تبعا للدين أو الفرقة داخل هذا الدين أو العرق أو اللون إلى آخر التقسيمات التي تؤكد عليها الثقافات المبنية على أنها ثقافة متفردة فيما تطرحه.. هوية متفردة لا اختيار فيها هي الأفضل والأقوى مما يؤدي إلى خلق سحر لهوية مزعومة تحجب وتسطح كل الانتماءات الأخرى.

الزعم بهوية متفردة يؤدي بالتدريج إلى الإيمان بفوقية الثقافة التي ننتمي إليها مما يدفعنا إلى الحكم على الآخرين في ضوء القيم النابعة من هذه الثقافة الفوقية والوصول عبر استنتاجات مفادها أن كل ما لا يخضع لهذه الثقافة ولا يتبناها إنما يعاني من ظواهر غير طبيعية فهو إما غير مسؤول أو لا يفهم أو بدائي أو على أقل تقدير لا يتساوى معنا في المستوى المعرفي أو القيمي أو الحضاري أو الديني حسب المرجعية الثقافية لثقافتنا الخاصة بنا.

ويمكن ملاحظة ذلك بسهولة عبر أحكامنا على من لا يتصرف بطريقتنا في الأكل أو الشرب أو الملبس وهو ما واجهته هذه الممرضة الفلبينية التي تحدثنا عنها هنا الأسبوع الماضي عبر تجربتها المريرة مع مظاهر العنصرية القاتلة التي تمر بها كل يوم سواء كجنسية غير سعودية أو كأقلية أو كامرأة!

ما الذي حدث لنا؟ ولماذا نقف هذا الموقف الملتبس من الجنسيات الأخرى غير الغربية دون أدنى خشية باتهامنا بالعنصرية أو حتى العودة والتفكير مع الذات في كيف أرى الآخرين مقابل رؤيتهم لي. يصيبني الذهول من بعض رسائل ونكت الجوال التي أتلقاها من بعض من أحسب أنهم يطرحون فكرا إنسانيا متميزا ورائحة التمييز العنصري تنضح فيها وأجزم أن تعودنا علي موقف التعامل مع الجنسيات الأخرى بشكل أدنى أصبح نموذجا طبيعيا للسلوك لا نشعر به. بل إن ذلك يروج له حتى عبر الدعايات التلفزيونية فهناك دعاية مشروب شهير تعرض في تلفزيوناتنا حيث اللاعب القوي في السوبر ماركت يضرب الكورة لتصيب المحاسب السمين من جنسية معينة والذي يعمد للتصرف ببلاهة تتوازى مع الفكرة العنصرية العامة السائدة عن هذه الجنسية. كم هي الأفكار العامة المرضية التي نحملها عن الثقافات الأخرى المحيطة بنا وكم هي أنماط السلوك المرضية التابعة التي نقذف بها في وجوههم كل يوم حين نلتقي أو نتعامل معهم داخل يومنا الطويل المليء بكل الجنسيات وكل الثقافات... ما الذي يحدث؟.

إنها هذه القولبة أو ما يسمى بالستيريوتايب (Stereotype) وهي تلك الصور العقلية المشوهة التي نختزنها ونحملها الكثير من المشاعر غير العقلانية عن جنس أو ثقافة ما أو شخص ما ثم نعممها على كل من لهم علاقة بهذه الثقافة. فهذه الجنسية غبية وهذه كسولة وأخرى غبية وثانية مستهلكة وهكذا..!!

هل نحن الوحيدون الذين نحمل مثل هذه التحزبات غير المنطقية؟ بالطبع لا.. فمعظم الثقافات تحملها وتعممها وما موقف الأمريكان من الهسبنك (المهاجرون من أمريكا اللاتينية) أو الألمان ومن الأتراك المهاجرين وموقفنا نحن من العمالة الوافدة إلا نماذج مرضية تواجهنا يوميا سواء في تعامل رجل الشارع أو رجل البوليس أو الطفل داخل الأسرة.

لماذا تحدث وكيف تتكون هذه الأفكار المرضية؟.

حين تعمد الفئات الاجتماعية أو السياسية أو الدينية في أية ثقافة -وهي الأكثر تأثيراً وقوة- على تبني وفرض الفكرة القائلة بأن ما تطرحه هي من قيم ونماذج للسلوك يمثل القيم الأعلى والنموذج السلوكي المتوقع وأنها هي ما يجب تمثله في السلوك والقيم والتعامل سواء تعلق ذلك بالممارسات أو العلاقة بين الرجل والمرأة أو اللبس أو المأكل وهو ما يسمى بالفوقية الثقافية وهكذا.. يصبح أي سلوك تتمثله الأقليات سواء كانت هذه الأقليات عمالة وافدة.. نساء.. أطفال.. ملونون أو حتى من مناطق أخرى داخل الوطن نفسه!!! أي كل من لا يتمثل قيم وأنماط السلوك لدى الطبقات الأكثر سيطرة على المناخ الاجتماعي والسياسي فسينعت سلوكه على أنه معوج أو خاطئ أو لا يفهم أو غبي... إلخ من التصنيفات المرضية العنصرية التي نوزعها بلا حساب على الآخرين من حولنا مما يولد شعورنا تجاههم ويؤكد عجزهم الثقافي في تمثل ثقافتنا المتفوقة في قيمها وأنماط سلوكها وهو ما يؤدي تدريجيا إلى تبني أنماط السلوك القاصرة والعنصرية التي تنشر من حولنا دون وعي منا حتى بتبنينا لها.

هل جلست مع نفسك لتفكر كيف ترى خادمتك المنزلية.. أو السائق أو صاحب البقالة أو حتى المرأة التي تزوجتها؟. نعم سنصرخ.. بالرفض.. وسيقول كثير إننا مسلمون وإننا سواسية وهذا صحيح جداً من الناحية النظرية لكننا نعجز عن تمثله في أنماط السلوك اليومية.. وانتبه فقط كيف يتعامل رجل الشارع سواء كان مواطنا أو من البوليس مع العمالة الوافدة في الشارع لتفهم ما أحاول إيصاله!.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد