Al Jazirah NewsPaper Saturday  28/06/2008 G Issue 13057
السبت 24 جمادىالآخرة 1429   العدد  13057
إسلام الذين يضيّقون واسعاً!
مها بنت حليم

لم تدخل الأمة الإسلامية مفترق طرق خطيراً مثلما تدخله الآن، ورغم اعتزازي بهذا الانتماء وفخري به إلا انني أرى أن السبب الحقيقي في جعل كل مسلم أينما ذهب محط أنظار الريبة هو المسلم نفسه الذي بدأت تختلط عليه أسس الدين مع فروعها حتى أضحى صيداً سهلاً للمغرضين والمتنفعين من وراء لبس أقنعة التدين.

هذا الاحتقان كله الذي تعيشه الأمة الإسلامية سببه الابتعاد عن النص الشرعي الأصلي واللجوء إلى المدعين بأحقية تفسيره والعلم به!

سماحة الإسلام ووسطيته ليست بحاجة إلى إثبات أو ايراد أدلة، فهي ميزته وأصله وسمته التي ما جاذب أحد بها إلا جذبته، كان الأصل في الإسلام وسطيته، فجعل الاتباع المتنفعون الأصل في الإسلام تطرفه، كان الأصل في ديننا الإباحة فجعل الاتباع المتنفعون الأصل في ديننا التحريم. يعجب المرء عندما يقارب بين المسلمين العرب والمسلمين الغرب، يجد فرقاً شاسعاً بين مجتمعين جميعهما يدينان بدين واحد، كان المسلمون الأوائل يتوارون عن الانبراء للفتوى، وكان المسلم الذي يبحث عن فتوى يتعب كثيراً قبل أن يجد عالما يفتيه ليس بسبب نقص علمهم بل من خوفهم من الانبراء للفتوى، وتجد كل عالم يحيل طالب الفتوى إلى عالم آخر.

أما الآن فتجد الشخص الذي لم يمض على قراءته الدينية سوى أسبوع واحد يتخطف المنابر، ويدعو إلى محاربة فلان وتكفير فلان، وهي مسألة لم يتجرأ عليها قبله أحد سوى أمثاله الذين جعلوا ديننا محارباً عند كل بلدان العالم بصفته ديناً إرهابياً، وهو بعيد كل البعد عن هذه الصفة لولا رعونة بعض أتباعه المنتفعين! ليس هناك دين في الدنيا يدعو أتباعه إلى حقن الدماء مثل الدين الإسلامي، لكنه تورط ببعض الأتباع الذين ليس مثلهم سرعة في الدعوة إلى إراقة الدماء، وترويع الآمنين، والجدال بالتي هي أسوأ! يحاولون ايهامنا بأنهم يعلمون عن صدر الإسلام أكثر مما نعلم، يحاولون إلغاء دور العلماء الذين يخالفونهم في اتباع منهج إباحة سفك الدماء ومجانية التكفير، يتناسون أن القاتل والمقتول من المسلمين في النار يتناسون العالم المسلم الذي سجنه الحاكم وأقسم أنه لو كان يعلم أن له دعوة مستجابة لدعاها لصلاح الحاكم، يتناسون العلامة المسلم الذي رفض الخروج على الحاكم، أو إصدار فتوى تجيز الخروج عليه وهو أكثر شخص تأذى منه، بل إنه زجر من دعاه إلى ذلك ووصفه بصاحب فتنة، نهى ديننا الحنيف عن التضييق على دابة والطريق واسع، فكيف بمن يضيق على المسلمين طريقة معيشتهم، وطريقة تفكيرهم، بل وصلت بهم الجرأة إلى الجزم بكفرهم وخروجهم عن دين الله، لم يكن هذا ديدن محمد -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه (رضوان الله عليهم) في التعامل الإنساني والحضاري سواء مع المسلمين أو غيرهم، تقهقرت مكانة الأمة الإسلامية بين الأمم بسبب عدم وجود مرجعيات دينية تفكر في مكانة هذا الدين عالمياً وليس حصره في أمة أو فئة دون غيرها، فالإسلام دين وسطي لجميع الأمم والحضارات وليس حكراً على أناس يريدون أن يظلم المسلم صاحب فكر دموي يجيز فناء الآخر وإلحاق الضرر به.

إن ما يحدث الآن بين المسلمين أنفسهم يبين حجم الضرر الذي ألحقه المنتفعون والجهلاء بمكانة الإسلام بين الأمم الأخرى، إذ أصبحت المجتمعات الإسلامية سهلة الدخول في النزاعات وصعبة الدخول في الوفاق بسبب أولئك الذين يضيقون واسعاً من أجل مصالحهم الدنيوية!

كاتبة سعودية




Mahabnt7lem@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد