Al Jazirah NewsPaper Sunday  29/06/2008 G Issue 13058
الأحد 25 جمادىالآخرة 1429   العدد  13058
المَسَافة.. بين الدول (الغنية).. والدول (الفقيرة)..؟
حماد بن حامد السالمي

* إذا ذُكر الغِنى والفقر، ذُكر معهما المال، فوفرة فيه معها غنى، وشح فيه معه فقر.

* هل هذه قاعدة صحيحة، ومعيارية مقبولة للتفريق بين الأغنياء والفقراء في هذا العالم..؟

* الواقع .إن نسبة الفقر إلى دولة ما، أو الغنى إلى دولة أخرى،

لا يمكن أن تخضع لمعيار المال وحده. ليس بالمال وحده تتقدم الدول، أو بدونه وحده تتأخر الدول، فكم من دولة غنية بما تملك من ثروات طبيعية، وعوائد مالية، ظلت قابعة في قاع دول الصف الثالث، بين دولة نامية وأخرى نائمة. وكم من دولة ليس لها ثروات طبيعية تُذكر، ولا مصادر طاقة تُشهر، لكنها تحتل مكانة مرموقة بين دول الصف الأول المتقدمة في كافة المجالات.

* الملل والسأم من البقاء في صفوف العالم الثالث - كما عبّر عن هذا الأمير (خالد الفيصل)، أمير منطقة مكة المكرمة قبل عدة أيام - شعور إنساني نبيل، وحلم وطني مشروع، يحمل دلالة مهمة إلى الرغبة في وثبة حضارية مجيدة، تأخذ بأيدينا إلى الصفوف الأولى، بدلاً من صفوف العالم الثالث، بخاصة ونحن في دولة نفطية كبيرة مثل المملكة العربية السعودية، تستحوذ على أكبر وأوسع أسواق النفط والكيماويات في هذا العالم، والعائدات المالية من وراء هذه السيادة في أسواق الطاقة، تؤهلها للحاق بركب الدول المتقدمة، إذا ما أحسنت توظيف هذه الثروات والعوائد، عبر قنوات موجهة لتوطين المعرفة أولاً، وترسيخ العلوم المعاصرة، والعناية ببناء الإنسان منذ ولادته، وفق تربية معرفية شفافة، وتعليم جاد منتج.

* ومثلما إن غِنى الدول والشعوب وتقدمها، لا يُبنى على أسس مالية أو مادية بحتة، فإنه كذلك لا يُبنى على أسس تاريخية، ولا يعود إلى قدم هذه الدولة أو تلك في التاريخ. (ليس الفتى من قال كان أبي = إن الفتى من قال ها أنذا). مصر والهند على سبيل المثال، عمرهما أكثر من ألفي عام، ومع ذلك، فهما تعدان اليوم من الدول الفقيرة، بينما كندا واستراليا ونيوزيلندا، دول حديثة، لم يكن لها وجود قبل مئة وخمسين عاماً، ومع ذلك، فهي دول غنية ومتطورة ومتقدمة إلى حد بعيد.

* كما أنه لا يمكن لنا أن ننسب فقر هذه الدولة أو تلك، إلى مواردها الطبيعية، كبيرة كانت أو صغيرة. اليابان على سبيل المثال، تملك مساحة جغرافية محدودة جداً، و(80 %) من أراضيها، عبارة عن جبال غير صالحة للزراعة أو حتى لتربية المواشي، ولكن اليابان اليوم، تمثل ثاني أقوى اقتصاديات العالم، فقد تحولت إلى مصنع كبير عائم فوق الماء، يستورد المواد الخام، فينتج منها مواد مصنعة، ويصدرها إلى كافة أقطار العالم، وإلى الدول التي استورد منها موادها الأولية.

* سويسرا.. وهذا مثال آخر لافت.. لا تزرع (الكاكاو)، لكنها تنتج أفضل (شوكولا) في العالم، ومساحتها الصغيرة جداً، لا تسمح لها بالزراعة أو بتربية الماشية لأكثر من أربعة أشهر في السنة، إلا أنها تشتهر بأهم منتجات الحليب وأغزرها في العالم، وهي إضافة إلى ذلك، بلد صغير جداً، لكن صورتها الأمنية الفريدة التي تعكسها، وتطبيق النظام التي تتميز به، جعلها أكبر وأقوى خزنة في العالم.

* على المستوى العقلي والفكري، لم يجد قياديون وإداريون في دول غنية كثيرة - من خلال علاقاتهم مع زملاء لهم من البلدان الفقيرة - أية فوارق تميزهم عن هؤلاء في البلاد الفقيرة، كما أن اللون أو العرق، لا تأثير لهما في هذا الجانب، فالمهاجرون المصنفون على أنهم كسالى في بلدانهم الأصلية، من إفريقيا أو آسيا، هم اليوم القوة المحركة والمنتجة في كثير من البلدان الأوروبية والأميركية.

* سؤال مهم للغاية : أين يكمن الخلل إذن..؟ لماذا نتأخر نحن، ويتقدم غيرنا..؟

* يرى بعض الدراسات المقننة والمنشورة مؤخراً، أن الخلل يكمن في السلوك البشري المترسخ عبر سنين من التربية والثقافة، فعند تحليل سلوك الناس في الدول المتقدمة، نجد أن الغالبية منهم، يتبعون ويلتزمون في حياتهم، بعدد من المبادئ المهمة مثل: (الأخلاق كمبدأ أساسي - الاستقامة - المسئولية - احترام القانون والنظام - احترام حقوق باقي المواطنين - حب العمل - حب الاستثمار والادخار - السعي والتفوق، والأعمال الخارقة - الدقة).

* في دول العالم الثالث - الفقيرة - لا يأخذ بهذه المبادئ سوى قلة قليلة من الناس في حياتهم اليومية.

* ومع أن هذه المبادئ السلوكية المهمة، موجودة أصلاً في صلب الديانات السماوية، وفي مقدمتها الدين الإسلامي، إلا أن كافة الدول الإسلامية، ما عدا ماليزيا، هي في عداد دول الصف الثالث. الدين الإسلامي الذي تدين به المجتمعات الإسلامية، يتضمن كافة هذه المبادئ السامية، ويدعو لها، ويحرض عليها، ويلزم الإنسان بالصدق والأمانة والاستقامة، وحسن الخلق والعمل والإنتاج والسعي في الأرض، والعدالة، وتحمل المسئولية، واحترام النظام والقانون، إلا أن غالبية المسلمين الذين يشكلون خُمس العالم، يتكلمون كثيراً ولا يفعلون شيئاً. يدّعُون الفضائل، ولا يطبقونها في حياتهم، ويتحدثون عن الإسلام ومبادئه، لكنهم يتناسون المسلم وما ينبغي أن يكون عليه من فضائل وأخلاق كريمة. يدافعون عن الإسلام وهو في غنى عنهم، وقد يختصمون ويشتجرون ويقتتلون من أجله، وينسون أنهم هم أول من يسيء للإسلام. لن يتقدم المسلم في هذا الزمان، حتى يتمثل خلق دينه كما هي، لا كما يريدها هو.

* إذن.. الدول الفقيرة - ومنها الدول الإسلامية بطبيعة الحال - ليست فقيرة بسبب نقص في الموارد الطبيعية، ولا الثروات الوطنية، ولا حتى قسوة الطبيعة. إنها فقيرة بسبب عاهات نفسية، وعيوب سلوكية في حياتها العامة، فهي بذلك عاجزة عن التأقلم مع المبادئ الأساسية، لحياة سوية خلاقة، وعاجزة أكثر عن تعلم هذه المبادئ وترسيخها ثقافياً في حياتها، تلك المبادئ التي جعلت غيرها من الدول، يتقدم ويتطور، وتصبح مجتمعاتها من أغنى المجتمعات.

* إن المسافة بين الدول الفقيرة والأخرى الغنية، بين دول العالم الأول المتطور، والثالث المتأخر، ليست سوى عاهات نفسية، وعيوب سلوكية، وسوف يظل هذا، هو الفارق بين المتقدمين والمتأخرين، حتى يتعلم المتأخرون كيف يتخلصوا من عاهاتهم وعيوبهم هذه، ليتقدموا إلى الأمام، ولو خطوة واحدة.



assahm@maktoob.com
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5350 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد