Al Jazirah NewsPaper Sunday  29/06/2008 G Issue 13058
الأحد 25 جمادىالآخرة 1429   العدد  13058
فيلسوف (الليبرالية).. كيف ينظر للمرأة؟
محمد بن عيسى الكنعان

تقوم فلسفة الفكرة الليبرالية ببساطة على الدعوة ل(تحقيق الحرية الفردية) في مستويات: العقيدة والفكر والسلوك، ولأن المرأة هي في الأصل (فرد) كامل الأهلية فقد حظيت بقدر ٍ وافر من التأكيد الفكري لحقوقها الإنسانية وموازنتها بواجباتها الاجتماعية، التي تفتح لها آفاق المشاركة الحضارية، خاصةً أنها عانت على مدار التاريخ

من ظلم واستبداد الأفكار والتقاليد والأعراف في كثير من الحضارات والثقافات القديمة، لذا يرى الليبراليون أن الفكرة الليبرالية منذ ولادتها في أذهان الفلاسفة الغربيين وتصوراتهم مطلع القرن الرابع عشر الميلادي مع انهيار النظام الإقطاعي، ثم نشأتها واقعاً في ممارسة الأنظمة الغربية أواخر القرن السابع عشر الميلادي وما بعده، قد شكّلت الإطار الحضاري لحقوق المرأة وواجباتها، وأن هذا الإطار لا يقف عند تقرير هذه الحقوق الطبيعية، بل يبدأ من رسم الموقع الإنساني للمرأة في الوجدان الليبرالي، الذي يجعلها إلى جوار الرجل في كل ميادين الحياة وعلاقاتها، فهل يقول التاريخ الليبرالي ذلك أو تراث فلاسفة الليبرالية الأوائل؟ وبالذات فيلسوف الليبرالية الأول والأبرز، وهو العالم التجريبي والمفكر السياسي الإنجليزي جون لوك (1632 - 1704م)، الذي بلور النظرية الليبرالية لدولة الحق والقانون، ودافع فيها عن (حق الملكية) وعن (الحرية الفردية) وخرج بالقانون الشهير: (إن حريتي تنتهي عندما تبتدئ حرية الآخرين)، حتى صار أحد مؤسسي النظام الليبرالي الديمقراطي الحديث إن لم يكن مؤسسه الأول كما يقول البروفسور روجيه وول هاوس في كتابه: (سيرة حياة وفكر جون لوك)، كون لوك قد ناقش في نظريته السياسية وفلسفته الليبرالية ركائز أساسية في التنمية الحضارية، مثل علاقة (الأخلاق بالقانون)، و(الملكية الخاصة)، و(الميثاق الاجتماعي)، و(طبيعة الحكومة)، و(فصل السلطات)، و(حق المقاومة لنظم الاستبداد)، إضافة إلى موقفه من (المرأة ودورها الاجتماعي)، وهو موقف جدير بالمعرفة والتأمل.

يتجلى موقف جون لوك إزاء المرأة من واقع نظرته للعلاقة الطبيعية الرجل بالمرأة ببعديها (الأزلي) منذ بدء الخليقة، و(الأبدي) إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، حيث يذهب في تصوره لهذه العلاقة إلى احتياج المرأة المستمر للرجل في أهم ركيزتين للأسرة التي هي اللبنة الأولى في المجتمع، وهما (قدرة الإنجاب وتربية النشء)، فرأيه أن المرأة لا تملك القدرة على الإنجاب دون الرجل، كما أنها تعتمد على قوته بشكل رئيس في تربية النشء، وعليه يستنتج جون لوك أنه من الطبيعي أن تكون السلطة الأسرية في يد الرجل بحكم تفوق الرجل على المرأة، وبهذا يرى أنه من المعقول أن يأمر الرجل (الزوج) فتطيع المرأة (الزوجة)، لأن جنس الرجل أصلح للرئاسة كونه الأقوى والأقدر، وعليه يبدو تسلطه طبيعياً في هذه الحالة، خصوصاً أنه يختلف عن المرأة في الفهم والإدراك، ومن ثم تتباين قدراتهما إلى درجة التضاد، الأمر الذي يؤدي إلى وجود إرادتين، فيكون من الضروري حسم القرار الأخير بينهما، فيكون نافذاً لصالح الرجل، بل يذهب فيلسوف الليبرالية جون لوك إلى أبعد من ذلك، عندما يقرر أن المرأة خلقت لتكون مرافقة للرجل، و(تابعة) له في أحايين كثيرة.

بعد هذا العرض المقتضب.. هل يمكن لنا أن نفتري على فيلسوف الليبرالية الأول ونقول بوضوح إنه يؤيد فكرة (المجتمع الذكوري)، رغم أن المنطلقات الفكرية التي برّر بها هذا التوجه، هي محل النقد من قبل كثير من ليبراليي اليوم، الذين يشنعون على خصومهم في التيارات الأخرى ب(تذكير) المجتمع وتهميش المرأة، وأنهم يصادرون مكانتها وحقوقها عندما يجعلونها تابعةً للرجل أو تحت سلطته. إذاً على الليبراليين الذين ما انفكوا يمارسون (الدفاع الفكري) عن المرأة وحقوقها تحت دعوى تحقيق الحرية الفردية لها بالمساواة التامة مع الرجل، أن يدرسوا حقيقة (الليبرالية الغربية) بشكل متعمق، من خلال فلاسفتها الأوائل، فربما يكفوا عن الضجيج، فيكون المجال مفتوحاً ليعقلوا كيف رفع الإسلام من منزلة المرأة بحيث لم تعد بحاجة لتلك المساواة المزعومة، فكما قالت إحدى الغربيات: كنت أتمنى أن أكون رجلاً، وعندما أسلمت حمدت الله أني امرأة.



Kanaan999@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد