Al Jazirah NewsPaper Sunday  29/06/2008 G Issue 13058
الأحد 25 جمادىالآخرة 1429   العدد  13058

هذرلوجيا
أغاريد القُمري النجدي (2/1)
سليمان الفليح

 

إلى نواف منيف

* صعدت إلى (الرجم) الحجري المرصع بالرخام الفاخر والزجاج الملون الشفاف والألمنيوم اللامع الموشى باليراعات المضيئة التي تتناثر من أعلاه إلى أسفله والتي كانت تومض وتنطفئ كعيون الذئاب الحزينة في شعفات الجبال كلما باغتها ضياء البدر في ليالي الشمال، حيث تعصف رياح الزمهرير التي تدمي أنوف النوق في الشبط الأخير.

***

جلست وحيداً أسبح في الأفق البعيد نحو تخوم لا نهائية لامتداد الفضاء الذي تتدلى منه الأنجم المتوهجة الباردة مثل عناقيد من ضوء تتجمد فوقها خيوط الماء، وكان البحر يزفر في آخر الأفق أنفاس المدّ وتتلاطم فوق جسده الأزرق الأزباد.

آنذاك تذكرت أنني وفي هذه الحالة أقرب إلى جبال المطلاع التي تُشرف على مدينة الكويت تلك المدينة التي تحفظ لي بعض ذكريات الصبا والشباب، ثم انتابني شعور مباغت بالعزلة والحزن وأحسست أنني أجلس في قمة (رجم) فعلي لا في فندق حديث يشمخ في قلب العاصمة التي طالما أحببتها في الشباب، ورحت أتذكر من رحلوا ومن ماتوا ومن انقطعوا في الحياة وأشرعت الأعين للدمع ورحت أهوجس ببيت من الشعر قديم:

(ما يرقب المرقاب غير المُشقِّى

والا غريب الدار والا الهواوي)

ورحت أتلمس في الروح كمية الشقاء والغربة الهائلة والهوى المطمور في قاع القلب، وفجأة وكما تتداخل الأصوات في ذهن المشهد المحموم الذي أضناه الأرق لأيام طوال طرق سمعي صوت متغرد شجي وكأنه صوت الذات، فأصغيت ملياً ل(اللحن) الذي كان يتداخل فيه بشكل سمفوني مهيب.

هبوب الريح، همس الرمل، تأوه الصحراء ممتزجاً ب(حنين الإبل) الذي يقطع نياط القلب حينما تفارق (حيرانها) الصغيرة، وكان يفوح من السمفونية عبق الخزامى متدغماً بأنين الرباب ونوار الشيح وشميم عرار نجد الخالد الأخاذ، فقلت هل هو سمير الوادي، حجاب بن نحيت، سالم بن حويل، وحيد الجزيرة، بشير شنان، عيسى الأحسائي، صالح حمدان، أم كلهم معاً في هذه السمفونية النادرة التي تنبثق من روح الصحراء، ثم هل تعرف الصحراء هايدن، ماهلر، شوبان، فاغنر، أم أنها تعرف فقط شدو مشعان مجول وفرحان الظفيري وصوت ضاحي بن وليد أم أن لامية الشنفرى لم تزل تتردد فيها عبر الأجيال، أم أن أنين ابن الملوّح لم يزل يطوف بالتوباد، أم أن الريح العربية لم يزل يستوطنها زرياب. أم أنها تغاريد نواف منيف؟.

لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 7555 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد