Al Jazirah NewsPaper Monday  30/06/2008 G Issue 13059
الأثنين 26 جمادىالآخرة 1429   العدد  13059
الرئة الثالثة
ماذا أعطتنا تخمة النفط.. وماذا أخذت؟!
د. عبدالرحمن بن محمد السدحان

ثمّةَ سؤال ملحّ يتْرى على الذهن مرة تلو الأخرى، وتتبارى بشأنه العقول والأقلام طرحاً ونقداً واختلافاً في الرأي، ويزداد حضوره هذه الأيام مع تفاقم ظاهرة ارتفاع أسعار النفط عالمياً على نحو لم يشهد له العالم مثيلاً من قبل، ناهيك عما استصحبته تلك الظاهرة من تصعيد غير مبرر ولا مسبوق في أثمان بعض المواد الاستهلاكية، وخاصة في قطاعي البناء والغذاء، إنتاجاً وبيعاً وشراءً.

***

والسؤال الذي يرد إلى الذهن هنا بإلحاح هو ما إذا كانت أسعار النفط المستعرة قد خدمت أم خذلت طموحات الإنسان الحديث باعتبار أن تداول هذه السلعة في الأسواق العالمية يتحمَّل وبدرجة كبيرة مسؤولية تفاقم الأسعار تصعيداً وتضْخيماً، خاصة في المجتمعات التي ترتبط عملاتها بالدولار الأمريكي، وهو الذي يعاني بدوره من (صداع) الانخفاض المزمن في قيمته أمام العملات الأخرى!

***

هذا يقود إلى إعادة صياغة السؤال من منطلق مختلف لكن له صلة بما سلف من حديث، وهو ما إذا كان النفط نقمة أو نعمة للشعوب المنتجة له؟ وهنا أودُّ أن أتطوّعَ برد متواضع يتناول جانباً من هذا السؤال فأقول:

النفط نعمة بلا ريب وهبها الرحمن ابن هذه الأرض تعويضاً له عن شحّ الزرع والضرع والثمرات، ولولاه - بعد الله - لما تحقق لهذه البلاد وغيرها كثير مما تصبو إليه.. تنمية ورخاءً في كل ميدان.

***

أما أن يكون النفطُ نقمة أو أنه حرمنا أكثر مما خدمنا كما قد يُفهم من سياق السؤال، فمسألة فيها نظر.

- فهناك من يرى أن ثمرات النفط وما استصحبت من غلو في التعبير عن الترف، قد باعد المسافة نسبياً بين طبقتي الفقر والغنى.

- وهنا من يرى أنها (فتحت العيون) والشهوات لإشباع حاجات كانت تعتبر في فترة ما قبل النفط كمالية أو ثانوية، كالسكن الفاخر والسيارة والسفر وغير ذلك من مظاهر العيش الحسيّ، وبات إدراك هذه الحاجات بعيداً عن متناول بعض شرائح المجتمع.

***

تلك أمور لا يختلف حولها كثيرون، لكن مسؤوليتها تعود في تقديري المتواضع إلى الناس، لا إلى عوائد النفط، لأنه كان وما برح وسيبقى (وسيلة) نكيّف بها حياتَنا، ونتكَيّف من خلالها مع أندادنا في العالم القريب منا والبعيد، أمّا أن نحمّل النفط وحده تبعة ما تشهده بعض شرائح المجتمع من سلبيات الثراء وغلو الترف، فإن في ذلك نكراناً للنعمة، وإفساداً لشكرها، وتنكراً أو تغييباً لأخطائنا نحن البشر المعنيين بذلك!

***

هناك سلبية واحدة ترتبت على تخمة النفط في خليجنا الكبير، وهي الاسترخاء على شطآن هذه الثروة والاتكاء عليها، وكأنها لن تنضب أو تؤول يوماً إلى الزوال في حين أنه يتعين البحث عن مصادر أخرى لتنويع الدخل، عبر الصناعات النفطية ومشتقاتها، بدلا من الاعتماد على تصدير النفط خاماً أو مكرراً.

***

ونحمد الله ثم نزهو بما فعلته قيادة بلادنا الحكيمة التي تنبهت إلى هذا الأمر منذ مطلع السبعينيات من القرن الماضي، فأنشأت صناعات بترولية ضخمة وطموحة، واستثمرت في سبيلها بلايين من الريالات ليكون عائدُها رديفاً لمخرجات بيع النفط في السوق العالمية، ويكون ذلك (صمام أمن) ضد تحولات يضمرها الغد!



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5141 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد