Al Jazirah NewsPaper Monday  30/06/2008 G Issue 13059
الأثنين 26 جمادىالآخرة 1429   العدد  13059

لن يرقبوا فينا إلاًّ ولا ذمَّة
د.عبدالله الصالح العثيمين

 

كلما حاول المرء التدبُّر فيما يجري لأمتنا على أيدي أعدائها -الذين لا يشك عاقل في كرههم لنا- ديناً وحضارة ومصلحة دنيوية حاضرة، خطر بباله ما ذكره الله في كتابه الكريم من آيات محكمات باقية الدلالة ما بقي الدهر. وخطر بباله -أيضاً- ما حدث من أولئك

الأعداء -عبر القرون- من خيانات للعهود والمواثيق.

لقد أوضح الله -سبحانه- أن أعداء الأمة الإسلامية في عهد النبي المصطفى إن يظفروا بالمسلمين لا يرقبوا فيهم إلاًّ ولا ذمَّة؛ أي لا يراعوا فيهم قرابة ولا عهداً. ثم أكد -عز وجل- على ذلك المعنى بقوله: {لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً}

وكل من في قلبه ذرة من إيمان يعتقد أن كلمة ربه تمت صدقاً وعدلا. وما تأمل امرؤ مسيرة تاريخ أمتنا عبر القرون مع أعدائها إلا واتضحت له مواقف هؤلاء الأعداء بجلاء لا لبس فيه ولا غموض.

لكن الفرق كبير بين أولئك الذين عاصروا نزول الوحي الرباني، الذي نزل به الروح الأمين على قلب خير خلق الله أجمعين، والذين يعيشون في دنيانا الحاضرة.

أولئك السلف الصالح، وإمامهم الأسوة الحسنة، قد عمر الإيمان بالله قلوبهم.

أما الذين يعيشون الآن فقد غمر الخوف من غير الله أفئدتهم. وبقدر ما كانت العزة مالئة نفوس أولئك السلف باتت الذلة مسيطرة على نفوس الأحياء، شبه الأموات، من الخلف الحاضر.

لقد تجلى نكث اليهود بعهودهم التي عاهدوها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتكرر نقض عهود المستعمرين من الغربيين بأمتنا في العصر الحديث.

كم غُدِرنا وكم غُدِرنا ولكن

دأبنا أن نصدِّق الغادرينا

أعداء أمتنا كثيرون، ماضون وحاضرون، وأشدهم وبالاً عليها أعداؤها من داخلها. فلولا هؤلاء الأعداء الداخليون، أو العلة الباطنية، لكان محتملاً جداً أن يمكن الصمود أمام الأعداء من خارجها، والتغلب عليها في نهاية المطاف.

وما كان الشاعر حافظ إبراهيم إلا صادقاً عندما قال:

أنا لولا أن لي من أمتي

عاذلاً ما بت أشكو النُّوَبا

أمة قد فتَّ في ساعدها

بغضها الأهل وحب الغُرَبا

ولا كان الأمير الشاعر عبدالرحمن البواردي إلا صائباً حينما قال:

ديرة لي بلاها اليوم برداها

كيف تبرا البلاد وعيبها فيها؟

والمتأمل في تاريخ أمتنا مع أعدائها؛ يدرك أنه كلما أبدى قائد من قادة هذه الأمة مودة لأولئك الأعداء فسَّروا ذلك في قرارة أنفسهم بأنه دليل ضعف، فعتوا عتوا كبيرا، واستكبروا استكباراً شديدا. وكلما زاد في إبداء مودته لهم ليقابلوا ما أبداه من مودة بما يأمله ويرجوه من عطف وتقدير، زاد عتوهم واستكبارهم، واطمأنوا بأن ممارسة المزيد من الإذلال له أليق وأجدى في التعامل معه للحصول على ما يريدون.

ولقد بدأ عدوان أعداء أمتنا من قبل المستعمرين الغربيين في العصر الحديث واحتلالهم لأجزاء من أقطارها، منذ القرن العاشر الهجري - السادس عشر الميلادي. وهذا أمر معروف لدى الكثيرين. وبعض هذه الأقطار التي ابتليت بالاحتلال -وفي طليعتها الجزائر- لم تتخلص منه، ولم تنل حريتها إلا بتضحيات كبيرة. على أن من أقطار أمتنا من امتحنها الله بزعماء ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون، فراحوا بالمستعمر يستنجدون، ووفق توجيهاته يتصرفون.

ومن المعلوم أن في مقدمة أعداء أمتنا الآن قادة الكيان الصهيوني العنصري المحتل لفلسطين، المرتكب ضد أهلها أبشع جرائم حرب شهدها تاريخ الإنسانية، والإدارات الأمريكية المؤيدة لذلك الكيان؛ سياسياً ومالياً وعسكرياً، المدافعة عن جرائمه البشعة بكل صلف وتحد لمشاعر أمتنا. وما كان عدوان الإدارة الأمريكية الحاضرة على العراق، واحتلالها لهذا القطر العربي الإسلامي الذي أدى إلى تحطيمه من الوجوه البشرية وغير البشرية كافة إلا مثلاً من أمثلة خدمتها لإسرائيل، ودعمها غير المحدود. بل إن من يشك في كون هذه الإدارة وقادة الكيان الصهيوني وجهين لعملة واحدة لم يتدبر الأمور حق التدبر لكن كيف كان تعاملنا مع ذلك.

لقد تبنى قادة العرب في مؤتمرهم الذي انعقد في بيروت، المبادرة التي طرحتها قيادة هذا الوطن العزيز، فأصبحت -لذلك- مبادرة عربية. وكان رد قادة الكيان الصهيوني عليها بالقول وبالفعل ثاني يوم من صدورها واضحاً كل الوضوح. قال عنها مجرم الحرب شارون: إنها لا تساوي المداد الذي كتبت به، واقتحمت القوات الصهيونية الهمجية عدة بلدات من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967م، وهل يوجد عاقل يشك في أن قادة الصهاينة قد قالوا ما قالوا من قول بذيء، وارتكبوا ما ارتكبوا من جرائم بشعة، دون أن يطمئنوا إلى أن أركان الإدارة الأمريكية توافقهم على ذلك، بل وتدعمهم؟ أوضح الأدلة على ذلك أن رئيس هذه الإدارة وصف شارون -الذي قال ذلك القول وارتكبت قوات كيانه تلك الجرائم- بأنه رجل سلام.

ولقد اختارت أكثرية الشعب الفلسطيني حركة حماس لزعامة البلاد في انتخابات حرة راقبها وشهد على نزاهتها الرئيس الأمريكي السابق، كارتر. فماذا كان رد الإدارة الأمريكية التي آذت آذان الدنيا بادعاءاتها ومزاعمها بأنها راعية الديمقراطية والحرية مع أن ما مضى من تاريخها وما هو حاضر من واقعها يثبتان كذب تلك الادعاءات والمزاعم؟.

صنفت الحركة المنتخبة انتخاباً حراً نزيها بأنها حركة إرهابية. وهذا يعني أن أكثرية الشعب الفلسطيني التي انتخبتها من الإرهابيين لأنهم انتخبوها، أما قادة الكيان الصهيوني -الذين لم تتوقف جرائمهم قبل إقامتهم كيانهم وبعد إقامته حتى الآن- فهم رجال السلام في نظر أساطين الإدارة الأمريكية.

وعندما حاولت قيادة وطننا العزيز -زادها الله توفيقا- أن تصدر الأمم المتحدة ممثلة في مجلس الأمن، قراراً بتفكيك ما بناه الصهاينة من مستوطنات في الأراضي المحتلة عام 1967م، أو إيقاف بناء ما لم يبن منها بعد، سارع قادة الكيان الصهيوني إلى إعلان أنهم عازمون على بناء الآلاف من الوحدات السكنية الاستيطانية، وأن أكثر تلك الوحدات سيكون في القدس الشرقية، موضحين أن هذه المدينة التي احتلوا جزءها الشرقي في العام المذكور مدينة خاصة بهم وحدهم، وأنها ستبقى عاصمتهم الأبدية الموحدة. ومن المؤكد -أو شبه المؤكد- أن ما حاولت قيادة هذا الوطن استصداره من الأمم المتحدة لو طرح للتصويت في مجلس الأمن لاستخدمت أمريكا حق النقض (الفيتو) ضده.

ومع كل ما سبق مازال عدد من الكتاب يرددون -في سبيل تلميع صورة المتصهينين في الإدارة الأمريكية- عبارات مثل علاقاتنا العربية مع أمريكا عميقة الجذور.

فلله عاقبة الأمور، وآخر دعوانا أن يدل الله الجميع إلى الخير والسداد.

لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5896 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد