Al Jazirah NewsPaper Monday  30/06/2008 G Issue 13059
الأثنين 26 جمادىالآخرة 1429   العدد  13059
بين قولين
الحسكسك
عبدالحفيظ الشمري

كيف ستخرج من جدل مقلق حول أمر بعض التسميات الغامضة، لا سيما التي ترد إليك على هيئة سؤال فلكي: إلى أي المذنبات ينتمي (الحسكسك)؟! فربما كانت ظنونك تشير إلى أن هذا (الحسكسك) ما هو إلا من النباتات، ولا علاقة له بالنجوم والكواكب، لكن ظنك سرعان ما سيتبدل ويتلون ويتحول يعني أنه (يخيب)، فقد يقول لك ظنك: لا يا الحبيب، الحسكسك من الحيوانات، وما دام ظنك وحدسك يشير إلى أنه حيوان من الحيوانات النادرة، فقد يزداد توترك، فلماذا لا يكون من الطيور، أو الحشرات؟ كالخفاش أو الجراد مثلاً.

فقد تعيد ترتيب معلوماتك، لتتيقن أنك تعرفه، فالحسك هو (الحسكسك).. شجيرات غبراء، (شهباء) مؤذية وواخزة، ويتشبث في كل شيء، وتتغلغل في الفراء والملبوسات، بل يقال إنه قد يميت الدواب التي تأكله مع الحشائش، فهو مكروه وغير مرغوب فيه في مائدة الريف في كل البلاد، وربما ورد هذا الاسم من قبيل تدليع الحسك، لكن من هو معدوم الذكاء هذا الذي سيقوم بتدليع الحسك؟!

ستعود تحرزاتك إلى سراب إن حاولت أن تنسى أمر هذا الحسكسك، فسرعان ما تعاون رحلة البحث بين هذه التسميات المتماوجة حينما تتذكر أن الكثير من الأشياء قد تختلف تسمياتها بل وحتى تكوينها، وألوانها فكما عرف الناس الحسك- إن كان قريبا من الحسكسك- فقد يعرفون تماماً أن (العوسج) أو (العوشج) شجر غير محبوب لدينا في صحاري الجزيرة، بل هو مخيف إلى درجة أنه يوصف بين أهل البادية والريف بأنه مصدر شؤم، يثير الفزع؛ لأن هناك من يظن أو يعتقد أن الجان يختبئون فيه بين وقت وآخر، ولا سيما الجنيات حينما يحاولن الإيقاع بأحد من (المغزلجية) من الجن أو الإنس، والعياذ بالله، ومن يومها بات (العوسج) مثل سمعة (الحسك) لا نفع فيه ولا فائدة، بل هو مصدر إزعاج حتى ولو لمجرد ذكره على اللسان، إلى أن جاءنا آخر الثوار الغنائيين، اللبناني مارسيل خليفة ليقلب الطاولة على مفاهيمنا عن العوسج أو العوشج، ليشدو بصوت أجش حزين وأليم كواقعنا الآن:

(قلبي قمر أحمر، قلبي بستان

فيه العوسج، فيه الريحان

شفتاي سماء تمطر، حباً حيناً،

غضباً أحيان)

فبعد هذه المقطوعة الشجية عن هذا العوسج لدينا سيتأكد لديك أن عوسج اللبنانيين، يختلف عن عوسجنا الذي قد جلدته الشمس بسياطها الحارقة في فيافينا القفر، وربما أخافوه (خرعوه) الجان حتى بات على هذا النحو من التقصف والتغضن والسوء، فلماذا لا يكون الحسك أو الحسكسك على هذه الحال؟! وإذا ما تدبرت أمر الحسكسك الذي بات - فيما يبدو- سرا غامضا، لن تجد له أثراً عند أهل الغناء والنشيد اللبناني أو أي ذكر مما قد يجعلك تعيد البحث في الأمر بشكل مختلف يشبع فضولك المعرفي في هذا الأمر، فقد لا تجد إلا السنافي، أبو الفزعات (قوقل) لكنه قد يخذلك وقد يردك كالمعتاد إلى سؤال: ربما تريد الحسك، هو نبات......، وربما تطور فكرك البحثي وتهرع إلى الفتح الإلكتروني المبين (يو تيوب)، فقد يقوم (الملعون) بعمل الملعوب، ليغريك: لعلك تريد كذا وكذا، ليطرح لك أيقونات قد تخدش الحياء، وليس لها أي رابط بأمر الحسكسك لا من بعيد ولا من قريب، بل وربما يوهمك بأن ما تراه هو الحسكسك بعينه.

كبار السن على ندرتهم وتضاؤل معلوماتهم لن يكون لهم دور في جلب معنى (الحسكسك) وهويته، فقد لا يكون لك بد من الاستعانة بالكتب القديمة طالما أنك لم تثق بالجديد والقديم المحدث، فسترد أحلامك على أعقابها في أمر العثور على معنى مناسب للحسكسك، فلا مناص من أن تأخذ بنصيحة صديق حصيف لتذهب إلى حلال العقد، ومدوخ الجان والإنسان فأي مشعوذ حتى وإن كان من الهواة ربما سيحل كربك وسيجلو لبسك في هذا الأمر، وقبل أن تذهب إليه أو حتى السؤال عنه ستهاجمك فكرة قد تهدم عزمك بالسير إليه، فلن يكلفك الأمر لكشف هذا المستور إلا أن تذهب إلى محل عطارة أشد شعوذة وأكثر دجلاً من هؤلاء الأدعياء، فمن المؤكد وبمجرد ذكرك لل(حسكسك) أمامه سيقول: طلبك مجاب، هذا هو (دهن الحسكسك) ادهن واشرب وادعك، فلكل سؤال جواب عند هؤلاء الدجالين، فبلا أي وصفة أو تركيبة يمكن له أن يمدك بأي شيء، حتى وإن خرجت بأي كلمة، حتى ولو على نحو (الحسكسك)، هذه الكلمة التي قد تشغل بالك على مدى أيام.



Hrbda2000@hotmail.com
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5217 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد