Al Jazirah NewsPaper Tuesday  01/07/2008 G Issue 13060
الثلاثاء 27 جمادىالآخرة 1429   العدد  13060
شيء من
الوطنية وثقافة التوحش
محمد بن عبداللطيف آل الشيخ

جاء في كتاب (إدارة التوحش) -الذي هو بمثابة (الكتاب المقدس) عند القاعديين، والذي ضبطت نسخ منه مع الخلايا التي قبض عليها مؤخراً- ما نصه:

(وهنا لا بد من التنبيه على ضلال دعوة بعض قادة الحركات المهترئة بوجوب الحفاظ على النسيج الوطني(!) أو اللحمة الوطنية(!) أو الوحدة الوطنية(!)، فعلاوة على أن هذا القول فيه شبهة (الوطنية الكافرة!)، إلا أنه يدل على أنهم لم يفهموا قط الطريقة السننية لسقوط الحضارات وبنائها)!

فالوطنية -إذن- فكرة كافرة؛ وفي المقابل فإن تفجير الأوطان، وقتل أهلها، وهدم البيوت على ساكنيها، هي من متطلبات تحقيق دولة الإسلام، التي تغتال الناس، وتفجر سبل عيشهم، لتلغي الأوطان؛ وبالتالي فإن من يرفع شعار إعمار الأوطان وتنميتها ليس (لم يفهم) سنن سقوط الحضارات فحسب، وإنما لم يفهم أسس بنائها أيضاً (كذا)!

والعبارة من السخف والسطحية والسذاجة إلى درجة تغنيني عن نقدها؛ فحضارة اليوم، التي تنبثق من مفهوم بناء (الأوطان)، والتي تختلط إنجازاتها العملاقة بذات الفضاء، تدحض هذه المقولة، وتحيل قائلها، فضلاً عمّن يرددها، إما إلى الغباء والحمق، أو إلى (التقوقع) بعد أن سلبته (الأيديولوجيا) قدرته على الرؤية وإعمال العقل.

الهوية الوطنية جزء من هوية الإنسان، مثلما أن دينه جزء من هويته، وكذلك طائفته؛ إضافة إلى أجزاء الهوية الأخرى كاللغة مثلاً. وهذه الهويات مجتمعة ومنصهرة هي التي تتشكل منها الهوية (العليا) للإنسان المعاصر. القفز على هذا المفهوم للهوية، أو محاولة إلغاء جزء منه، كإلغاء الهوية الوطنية لمصلحة (الأممية الإسلامية) مثلاً، سيكون بالضرورة (تفجيراً) لهوية الإنسان المعاصر.

فأنا -على سبيل المثال- مسلم، سعودي، أنتمي إلى الطائفة السنية، وأتحدث العربية. فهويتي بناء على هذه التركيبة تتكون من الإسلام كدين، ومن السعودية كوطن، ومن أهل السنة كطائفة، ومن اللغة العربية كلسان، ولا أجد تعارضاً -البتة- بين هذه الأجزاء المكونة لهويتي العليا.

وعندما نلغي الهوية الوطنية، ونعتبر أن الإسلام (فقط) هو الأساس الانتمائي، والهوية (الوحيدة) التي يجب أن (تلغي) الأجزاء الأخرى لمفهوم الهوية، فإن ذلك يعني عملياً أن نفتح باب الوطن على مصراعيه (لكل مسلم) لأن يعيش معنا، له من الحقوق، وعليه من الواجبات، مثلما للسعودي تماماً.

وبعيداً عن فهم بعضنا للنصوص، التي ربما يراها تتعارض مع مفهوم الوطنية المعاصرة، دعوني أطرح هذا السؤال: هل سيقبل أي سعودي -ودعك من المؤدلجين- أن يشاركه في وطنه وثرواته وحقوقه الوطنية غير السعوديين؟.

أعرف أن هناك مِن ضيِّقِي الأفق، والذين يعيشون بأجسامهم معنا -بينما عقولهم تعيش في عصر سحيق- من سيرفض ما أقوله هنا. غير أن الأوطان لا تبنى على أساس أقوال الماضويين والمتكلسين في عصور لا علاقة لها بعصرنا، من الذين ما زالت رقابهم معوجة إلى الوراء، ولم يعرفوا قط كيف ينظرون إلى ما تحت أقدامهم، ناهيك عن أن ينظروا إلى المستقبل.

طبعاً أدرك كما يدرك غيري أن مآل القاعديين سيكون -كما كان مآل الخوارج- إلى زوال. والسبب الذي يجمع هؤلاء وأولئك ليس فقط الخروج على السلطة، وتفجير الاستقرار، وإثارة الفتن. وإنما لأنهم كانوا لا علاقة لهم بالموضوعية وقراءة واقعهم كما يجب أن تكون القراءة. وهذا في رأيي أحد أسباب سقوط الخوارج آنذاك والسبب الذي سيسقط القاعديين الآن لا محالة، (فالعصا أخت العصية).



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6816 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد