Al Jazirah NewsPaper Wednesday  02/07/2008 G Issue 13061
الاربعاء 28 جمادىالآخرة 1429   العدد  13061
يارا
عبد الله بن بخيت

ذكرتني أحداث سقوط الطائرات المدنية في السودان هذه الأيام بمقال قديم بعنوان البرغي الناقص. حسب ما أتذكر منه كان موضوعه عن البراغي الناقصة. لم أعد أتذكر فحواه. أثارت سلسلة السقوط هذه سؤالا في داخلي: كم في الطائرة من برغي؟ من باب التقدير يمكننا القول إن الطائرة تحتوي على عشرة آلاف برغي. كل برغي يشد برغي وكل واحد له وظيفة محددة. إذا نظرنا إلى البرغي منفرداً لا يمكن أن يؤدي غيابه إلى سقوط الطائرة. إذاً من الناحية العملية يمكن الاستغناء عن عدد من البراغي.

السؤال الأهم كم عدد البراغي التي يؤدي غيابها إلى سقوط الطائرة؟ الجواب معقد جداً. هنا براغي أكثر أهمية من الأخرى وهناك براغي منفردة وهناك براغي يشد بعضها بعض. تصوراتنا هذه تقودنا إلى تذكر المثل الإنجليزي الذي يقول (القشة التي قصمت ظهر البعير). أين يقع آخر البراغي الذي تسقط الطائرة بعده.

لو تركنا الطائرة قليلاً ودخلنا البيت. بيتك أو بيتي أو بيت فلان وقمنا بجولة وأحصينا الأشياء الناقصة. الأشياء التي فقدها البيت من جراء الاستخدام وتنتظر الإصلاح أو الاستبدال. سنرى مشكلة صغيرة في غرفة الجلوس ونقص بسيط في صالة الطعام وهناك سدد في أحد الحمامات وعدد من الأقفال لم تعد صالحة ومع ذلك لم يتوقف البيت عن استضافة ساكنيه. البيت ماشي مع بعض التنازلات الصغيرة. وهذا طبعاً ينطبق على الشارع يمكنك أن ترى مطبات قديمة اعتدت عليها وأرصفة نسيت الأمانة تبليطها أما الإنارة فلم يعد يتذكر أحد أنها ضرورية.

البشر ينسون أن الأمة الواحدة لها ثقافة واحدة وقيم عمل تستمد من هذه الثقافة. إذا كنت تطفش من موظف في الجوازات نتيجة إهماله أو تأخره في العمل أو عدم التزامه بالأنظمة والقوانين فتذكر أن شقيقه يعمل في الإطفاء وجاره يعمل مهندس طائرات. الإهمال في الجوازات هو التأخر في حضور رجال الإطفاء وأيضاً هو استهتار مهندس الطائرات الذي سبب البرغي الناقص الذي أدى إلى سقوط الطائرة. لكي تعرف مستوى الأمان الذي تتمتع به عندما تصعد الطائرة عليك أن تنظر إلى الشوارع التي سلكتها والبيت الذي تركته وراءك وشاركت في إهماله.هذا يعكس لك مدى السلامة التي تنتظره في الطائرة التي سوف تركبها بعد قليل. ليست السلامات التي تشاهدها في الطائرات إلا عدم بلوغ البراغي الغائبة الحد الذي تسقط بعده الطائرة.

علينا دائماً أن نتذكر أن الأداة (الطائرة أو السيارة) لا تتحرك وحدها. هناك ثقافة تحتضنها وتحركها وتوطنها. ثقافة تصنع قيم العمل والالتزام واحترام الحياة. يتذكر بعضنا الآن القول الأثير الهروبي الذي نردده بلا ملل: نأخذ منهم ما يناسبنا ونترك لهم ما لا يناسبنا ونتجاهل أن من صنع الشيء هو الذي يمنح هذا الشيء ثقافته. الشيء المصنوع له بعد ثقافي إما نستوردهما معاً أو نتركهما معاً ودمتم سالمين.

فاكس4702164


yara.bakeet@gmail.com
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6406 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد