Al Jazirah NewsPaper Wednesday  02/07/2008 G Issue 13061
الاربعاء 28 جمادىالآخرة 1429   العدد  13061
مراكز الإحصائيات.. الضرورة الغائبة
مها بنت حليم

يستسهل المجتمع الخليجي التعامل مع الأرقام ولا يلقيها بالاً، وعندما يحتاج إليها يلجأ إلى التخمين لتمشية الأمور كيفما اتفق. في الكثير من دول العالم مراكز إحصائيات متخصصة توفر المعلومات كافة لمن يطلبها بسهولة، أما في مجتمعنا الخليجي فتعاني الأمرين عندما تحتاج إلى معلومة عن المجتمع، حتى لو كانت بسيطة لكنها مهمة جداً بالنسبة إليك.

بعد الحادي عشر من سبتمبر احتاج المجتمع الخليجي أن يعرف نسبة، ولو تقريبية، لما تمثله شريحة الشباب لأنهم الأكثر تأثراً بأفكار الإرهابيين، لكنه لم يستطع إيجاد رقم حقيقي يمكنه من خلاله وضع الإمكانات التي يحتاجها مثل هذا العمل، فذهب كل بلد خليجي إلى تخمين الأرقام ووضع خطط عمل غير دقيقة، لأنها ببساطة غير مبنية على رقم حقيقي.

المجتمعات الخليجية تحتاج إلى مراكز دراسات وإحصاء متخصصة ترتبط بجهات عليا تتمتع بإمكانات وأدوات لا تقل عن إمكانات أي وزارة أخرى. ولذلك تتعثر الكثير من المشروعات التجارية أو التعليمية أو الصحية أو غيرها لعدم وجود أرقام إحصائية يمكن من خلالها وضع دراسة جدوى مطمئنة. ومازلت أذكر قصة زميلة لي عندما أرادت البدء في إنشاء مشروع مدرسة أهلية على أحدث التقنيات التعليمية، فلم تستطع الحصول على عدد سكان الحي أو الأحياء المجاورة، ولم تستطع الحصول على عدد التلاميذ في الحي نفسه ولا عدد الأشخاص الذين يملكون شهادة تعليمية من الحي نفسه ولا يجدون عملاً في التعليم لتأمين عمل لهم في مدينتهم نفسها. ولضخامة المشروع وخطورة غياب الأرقام الحقيقية فيه اضطرت إلى تأجيل الأمر إلى أجل غير مسمى.

تكمن الخطورة القصوى عندما تغيب الإحصائيات والأرقام عن المسؤولين في وزارة الصحة، فهي كارثة مازالت قائمة وتحتاج إلى من يهمه أمر المجتمع الخليجي كي يتدخل بسرعة قبل أن تحل كارثة لا يمكن تجاوزها بسهولة، فمثلاً الجهات الصحية تقف عاجزة أمام مرضى السكر والضغط والسرطان والفشل الكلوي وتعرف أنه يتعلق علاجهم بميزانية الدولة، لكنها لا تعرف أن تمنحنا إجابة دقيقة لما يحتاجه هؤلاء المرضى ولا تعرف ولو بشكل تقريبي أرقامهم الحقيقية. وقبل أيام ظهرت إحصائية في السعودية تشير إلى أن مرضى الكبد تجاوز عددهم نصف مليون مريض، وهناك 400 ألف آخرين أسمتهم وزارة الصحة السعودية بأنهم قريبون من المرض! ورغم عدم علمنا بمدى دقة هذه الإحصائية إلا أنها رقم مخيف جداً يحتاج إلى إشعال ضوء أحمر وتصرف سريع من جهات الدولة كافة. ورغم معرفة الجميع أن من أهم أسباب انتقال هذا المرض إهمال النظافة في أماكن الحلاقة المنتشرة في كل مكان في السعودية، لكن وزارة الصحة لا تملك الموظفين، ولا الإمكانات الكافية لتطويق مرض يحتاج إلى إحصائية دقيقة وعمل اجتماعي متكامل.

مجتمعات الدنيا كلها يتسارع تطورها بشكل قوي جداً تجاه الحضارة، ومجتمعنا الخليجي لا يكاد يتقدم سوى بخطوات بطيئة جداً، وإن لم يسارع بحل هذه الضرورة الغائبة فسيجد نفسه غير قادر على التقدم إلى الأمام ولو خطوة واحدة. يجب ألا نخجل من لغة الأرقام مهما كانت صادمة وغير متوقعة، لأنه لا مناص عن التعامل بها. لقد سئمنا لغة التخمين وتمشية الأمور!

كاتبة سعودية


Mahabnt7lem@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد