Al Jazirah NewsPaper Thursday  03/07/2008 G Issue 13062
الخميس 29 جمادىالآخرة 1429   العدد  13062
في منطقة القصيم
محمد بن عبدالله آل زلفة

لجامعة الملك سعود -الجامعة الأم- منجزات كبيرة في المسيرة العلمية، والتعليمية، والفكرية في هذه البلاد، ومن هذه المنجزات احتضان الجمعيات العلمية، فهي حاضنتها والرائدة في ولادتها، وما زالت الأب والأم والحاضنة لهذه الجمعيات العملية المتخصصة التي تربو على ثلاثين جمعية.

ولهذا فإن هذه الجامعة التي شهدت في السنتين الأخيرتين ولادة جديدة في مسيرتها العلمية تعيد لها ذلك البريق والوهج الذي بدأت به، وهي بذلك تساير مسيرة الإصلاح والتجديد الذي يشمل كل مناحي الحياة في بلادنا التي لا ترضى إلا أن تكون دائماً في مقدمة الصفوف، وذلك من خلال مواكبة عجلة التغيير، والتطوير، والتحديث التي نلمس أثرها بشكل أكثر وضوحاً في مسيرة التعليم من خلال إعادة النظر في أحوال جامعاتنا القائمة، وإطلاق جامعات جديدة حينما كاد التعليم الجامعي يتعثر لأسباب مختلفة ليس هذا مجال شرحها، مما أثر في تدني جامعاتنا بين جامعات العالم لكي تكون بحق منارة للعلم ومنتجاً للعلماء والمبدعين، فإنه لا مكانة لأمة تريد دائماً أن تكون في المقدمة إلا من خلال بناء قاعدة تعليمية قوية، ونحن لا نرضى لأنفسنا إلا أن نكون دائماً وأبداً في المقدمة.

تعد الجمعية التاريخية السعودية واحدة من أهم الجمعيات العلمية المتخصصة التي شهد عام 1408هـ، ولادتها في رحاب جامعة الملك سعود، وكان لي الشرف أن أُنتخب لأكون أميناً عاماً لها في السنوات الأولى من نشأتها.

ومن المميزات التي استنتها الجمعية التاريخية السعودية هو قرار مجلس إدارتها بموافقة جمعيتها العمومية على أن يكون انعقاد اجتماعها العلمي السنوي مناوبة بين العواصم الإقليمية لبلادنا، بدءاً بمكة المكرمة، ثم المدينة المنورة، واجتماعها هذا العام هو الاجتماع السنوي الحادي عشر في مدينة بريدة عاصمة منطقة القصيم الإدارية في الفترة ما بين 15-17-1429هـ.

من خلال هذه السنة الحميدة تمكن أعضاء الجمعية من الاطلاع على معالم وآثار وتاريخ مناطق بلادنا الواسعية، ثم إثراء تاريخ تلك المناطق من خلال تركيز الأبحاث على جوانب من تاريخ الأقاليم والمدن وتطوراتها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والحضارية، ومكانتها في تاريخ المملكة، ودورها ومساهماتها في بناء هذا الكيان الكبير -المملكة العربية السعودية- وآمل أن تحذو الجمعيات المتخصصة الأخرى حذو الجمعية التاريخية في هذا المجال.

الوصول إلى القصيم: ولا بد من الوصول إلى القصيم وإن تعددت الوسائل والطرق، وقد ترك الأمر لكل عضو في تدبير طريقة وصوله إلى بريدة، ولكن الجمعية أرسلت رسالة (جوالية) تقول فيها إن هناك واسطة نقل جماعية ستنطلق من أمام مبنى كلية الآداب بجامعة الملك سعود في حوالي الساعة الثانية من بعد الظهر لليوم السابق لاجتماع الجمعية لمن أراد. وبما أنني كنت من الراغبين في استعمال وسيلة النقل الجماعي أولاً: رغبة في الاجتماع بمن توافق رغبته رغبتي من الإخوة الزملاء. ثانياً: تعذر الحصول على وسيلة نقل جوي إلى القصيم إلا بواسطة وسيلة نقل خاصة، ولا بد من الحصول على حجز مقعد قبل مدة طويلة من وقت الاجتماع، وهذا يصعب تحقيقه، فقد آثرت الانتقال بهذه الوسيلة. أما الخطوط السعودية فقد قلصت بعض رحلاتها إلى بعض المدن، وألغت بعضها، والله يعيننا على الخطوط السعودية خلال عطلة هذا الصيف.

ذهبت إلى كلية الآداب حسب الموعد، فقيل لي إن موعد تحرك الباص الذي تكرمت الجامعة بتخصيصه للراغبين في الذهاب بشكل جماعي قد تغير موعده إلى ما بين الساعة الثالثة والرابعة عصراً، وهذا يعني أن لدي ساعتين تقريباً من الانتظار وهو وقت طويل، خاصة إذا عرفنا، أو نعرف من لا يعرف بأن معظم أعضاء هيئة التدريس في الكلية ينصرفون من أقسامهم أو مكاتبهم ما بين الساعة الثانية والثانية والنصف، وهذا أمر غريب في جامعة يفترض أن تبقى أقسامها وقاعات الدراسات والمكتبات المخصصة للأقسام مشرعة أبوابها إلى وقت متأخر من النهار، بل يجب أن تبقى الحياة الجامعية حية في أرجاء الجامعة إلى وقت متأخر من المساء.

ولكي أقضي وقت الانتظار لساعتين إضافيتين لم يكن أمامي سوى الذهاب إلى بهو كلية الآداب لعلني أجد المقهى المخصص للطلاب لا يزال فاتحاً، ولكن المفاجأة المهمة أنني وجدت البهو مكتظاً بالطلاب، وقبل مسيري باتجاه المقهى توقفت أمام بعض (الفاترينات) التي يعرض بداخلها بعض الكتب والمجلات العلمية ومستلات البحوث لأعضاء هيئة التدريس استوقفني بعض من الطلاب، رغبة في السلام، وما لبثت تلك من قبل قليل من الطلاب في بدايتها حتى توسعت دائرة الأبناء الطلاب، وتحولت الوقفة من أجل السلام إلى دائرة كبيرة للحوار في قضايا مختلفة، بعضها يتعلق ببعض ما يطرح من آراء حول القضايا المجتمعية، والفكرية، والثقافية، ولاحظت أن أغلب المتحدثين من طلاب قسم الإعلام عرجوا في نقاشهم على القضايا الإعلامية والمواقف المختلفة منها، وعلى قضايا المرأة، ورأيي حول ما يطرح حول هذه القضية ولم يخل الحوار من أسئلة حول دور مجلس الشورى في التفاعل مع القضايا المجتمعية، خاصة قضايا الشباب، العمل بعد الجامعة، السكن، وقضايا أخرى كثيرة. المهم أنني مكثت حوالي الساعة من أجمل الساعات في الحوار والنقاش والاتفاق والاختلاف مع براعم كلية الآداب. كنت سعيداً باللقاء بهم. شكرت الفرصة التي منحتني اللقاء بهم في لقاء عفوي غير مرتب له. وما أحوج أبناءنا أن نلتقي بهم، وما أحوجنا إلى أن نسمع لهم ونحاورهم في كل القضايا المطروحة على الساحة.

بعد انتهاء الحوار الجميل معهم استأذنتهم وذهبت إلى (الكافيتريا) للتزود بماء، وما تيسر الحصول عليه من (سندوتشات) مؤونة لرحلة القصيم. تسابق بعض من الأعزاء الطلبة كل يسأل ماذا تسمح لي أن أقدمه لك، قائلين: (أنت ضيفنا، وأنت واحد من القلة جداً من أعضاء هيئة التدريس الذي يدخل المكان المخصص لنا، وبعفويتهم وكرمهم الفطري المفطورين عليه يقولون (هذه ليست بضيفيتك)، وكل منهم وجه إليّ الدعوة لزيارته في بلدته أو هجرته فشكرتهم كثيراً وتأثرت جداً بهذه الروح الجميلة التي تحملها تلك الأجساد الغضة الرائعة، هؤلاء هم أهل هذه البلاد، هؤلاء هم أحفاد أولئك الجيل الذين صنعوا وحدة هذه البلاد، فلهم مني أصدق الحب والدعاء لهم بالتوفيق.

ذهبت إلى المكان المخصص لوقوف الأتوبيس المخصص لنقلها إلى بريدة فلم أجد به إلا أربعة أشخاص الدكتور أحمد عدوان زميل لنا سابق بكلية الآداب وزميل له أقابله لأول مرة، وزميل من جامعة الملك خالد في أبها، وموظف إدارة الجمعية التاريخية هؤلاء فقط هم زملاء الرحلة، وحمدت الله أن الأتوبيس من القطع الصغير.

وصلنا مدينة بريدة حوالي الساعة السابعة والنصف مساء، وأخذنا طريقنا إلى فندق (موفنبيك) مكان إقامتنا ومكان انعقاد الندوة، إنه بحق فندق جميل ووجدنا من إدارته استقبالاً حاراً يعكس طبيعة أهل هذه المدينة في اهتمامهم بالضيف.

بعد أن أودعنا أمتعتنا بالفندق توجهنا إلى جامعة القصيم حيث ستكون جلسة افتتاح الندوة تحت رعاية صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن بندر بن عبدالعزيز أمير منطقة القصيم، وقد ألقى في كلمة افتتاحه لههذ الندوة كلمة ضافية تعبر عن رؤية أمير متمرس في إدارة الحكم متسلحاً بثقافة تاريخية، فهو من رواد خريجي قسم التاريخ بجامعة الملك سعود المتميزين، وكان هاشاً باشاً فرحاً برؤية بعض من زملائه القدامى في قسم التاريخ، وأنا أحدهم، وكان متقدماً عليّ بسنة واحدة.

كان مشاركة جامعة القصيم في تنظيم هذه الندوة ومشاركة الإنفاق على تكاليفها متميزة برعاية مباشرة من مديرها الدكتور خالد الحمودي، وهو زميل قديم ومن أركان جامعة الملك سعود، وكان له دور متميز حينما كان وكيلاً لجامعة الملك سعود للشؤون الأكاديمية في نشأة الجمعيات المتخصصة بالجامعة. والملفت والمدهش في الوقت نفسه هو ما وصلت إليه جامعة القصيم من اكتمال بنيتها التحتية والإنشائية، حيث وصلت إلى ما يتطلع إليه أي أكاديمي يتمنى أن يرى عليه واقع الجامعات السعودية الناشئة.

جدير بالذكر أن جامعة القصيم، منذ أن كانت فرعاً تابعاً لجامعة الملك سعود، هي الجامعة الوحيدة التي أكملت الجزء الأكبر من بنيتها التحتية في السنوات الاقتصادية العجاف، أي قبل بدء الطفرة الجديدة. وكنت زرت القصيم للمرة الأولى قبل ثلاثة عشر عاماً مع أعضاء مجلس جامعة الملك سعود يوم قرر مجلسه انعقاد مجلس الجامعة في تلك السنة في القصيم ويبدو -على حد علمي- أنها المرة الأولى التي يعقد مجلس الجامعة خارج مقرها الرئيسي، ولم يكن قد أنجز في ذلك الوقت من فرع الجامعة في القصيم سوى كلية واحدة وبعض الأقسام، ولم يكن في مدينة بريدة إلا فندق واحد هو فندق السلمان الذي كان مقر إقامتنا أثناء تلك الرحلة، والشيخ السلمان -رحمه الله- أحد رواد الأفكار الرائدة في تلك المدينة العريقة.

لقد روعي في وضع برنامج الندوة التوازن بين برنامجها الأكاديمي من محاضرات وندوات شملت جوانب مختلفة من تاريخ منطقة القصيم في أحقاب التاريخ، وتم تكريم الشيخ محمد العبودي من أبناء القصيم أحد رموز رواد الكتابات التاريخية والجغرافية وأدب الرحلات، وهو آخر عمالقة جيل الرواد في بلادنا، وقد تجاوز الثمانين من عمره، ولكنه ورغم هذه السنين أكثر عطاء من ابن الثلاثين خريفاً، أمد الله في عمره وأعانه على إكمال مشاريعه البحثية.

أما الجانب الآخر من هذه الندوة فهو جانب اكتشاف المظاهر الحضارية والتاريخية والثقافية لمنطقة القصيم من خلال برنامج منظم لزيارة معظم مدن القصيم بريدة، عيون الجوى، البكيرية، الهلالية، الرس، وأخيراً وليس آخراً باريس نجد وعروس القصيم عنيزة، لقد كان لوجهاء القصيم مشاركتهم ومنافستهم في إكرام ضيوف الندوة وعددهم الذي يزيد عن المائة والخمسين مؤرخا ومؤرخة. فلقد عشنا ليلتين جميلتين الأولى في بريدة في ضيافة الشيخ إبراهيم بن عبدالعزيز الربدي من أبرز أعيان بريدة الذي غمرنا بكرمه وبلطفه، وأسمعنا قصائد جميلة من شعره، وقابلنا في منزله وجهاء بريدة من المثقفين ورجال الأعمال، وأكملنا سهرة ثقافية جميلة في منزل الأستاذ صالح التويجري مدير تعليم القصيم سابقاً.

كما شاهدنا عرضاً جميلاً عن حياة عقيلات القصيم في حديقة بريدة العامة قام بها مجموعة من أبناء القصيم وأحفاد العقيلات الذين تركوا لهم بصمات خارج حدود الجزيرة العربية في العراق والشام وفلسطين ومصر والهند، ووصل بعضهم إلى أمريكا الشمالية والجنوبية، وذلك قبل توحيد المملكة وعودتهم من مهاجرهم للمساهمة في بناء دولتهم الحديثة.

لقد استقبلنا في كل مدينة زرناها بترحاب وكرم منقطع النظير، ورأينا من التنمية الشاملة في جميع القطاعات ما أثلج صدورنا، ولقد لفت انتباهي ما رأيته في مدينة البكيرية التي هي بحق واحدة من أجمل مدن القصيم، واستحقت بجدارة فوزها بجائزة دولية في مجال الصحة، فشوارعها نظيفة تكسوها الأشجار والمناطق الخضراء بشكل منظم وفائقة الحسن، وكانت لنا وقفة في مركزها الحضاري حيث استقبلنا فيه محافظ البكيرية الأستاذ رميح الشتيوي الذي قدم لنا شرحا موجزا عن البكيرية، كما تم عرض فيلم عن تاريخ ونهضة البكيرية، كما اطلعنا على مجسمات لمشاريع حضارية نفذها أبناء البكيرية على حسابهم الخاص، منها مضمار جري للنساء والرجال يعد واحدا من أحسن المضامير على مستوى المملكة، وغير ذلك من المشاريع التي تظهر دور أبناء البكيرية في بناء مدينتهم بشكل حضاري متطور، ثم ودعنا السيد الشتيوي وهو بحق من النماذج المشرفة لأبناء هذا الوطن.

من البكيرية اتجهنا إلى الرس وهي محطة مهمة في برنامج رحلتنا؛ فالرس مدينة تاريخية وقلعة الصمود في مواجهة الخصوم. في الطريق توقفنا في بلدة الهلالية حيث استقبلنا أهلها بالقهوة العربية والتمر الذي لم أجد ألذ منه مذاقاً، وسألت هل لتمر الهلالية خصوصية إذا قيس بأنواع التمور التي تشتهر به منطقة القصيم. وكان ممن استقبلنا من أبناء هذه البلدة الجميلة معظمهم من كبار السن الظاهر عليهم الوقار العربي الأصيل، فحاول بعض الزملاء لا أدري بأي دافع أن يعرفهم عليّ قائلاً هذا محمد آل زلفة، ربما سمعتوا عنه، قالوا ونشاهده في التلفزيون والله يحييه في بلدتنا وطلبوا في قهوة جديدة، وحينما قلت لهم إن تمر بلدتكم متميز، وله مذاق خاص أرسلوا في المزيد من التمر. شكراً لكم يا أهل الهلالية، فلقد أكرمتموني وخيبتم أمل ذلك الزميل الذي كان يقصد شيئاً آخر - طبعاً - للمداعبة.

كنا في شوق إلى مشاهدة الرس ولكن الوقت كان ضيقاً. فلقد كانت الشمس تميل إلى المغيب عندما وصلنا برج الشنانة. توجهنا إلى منزل الشيخ صالح الحناكي أحد وجهاء الرس المعروفين فاستقبلنا ومن كان حاضرا من أبنائه وأحفاده استقبالاً حاراً وأدينا صلاة المغرب في مسجد قصره الجميل جدا حيث يذكرني قصر الشيخ الحناكي في ذلك الموقع المنفرد بقصور وجهاء ونبلاء أوروبا بعد عصر النهضة.

لم نتمكن من رؤية الرس كلها، ولا رؤية ما تبقى من سور صمودها العظيم واتصل بي الإخوة آل المالك من الرياض يعاتبون بعدم إبلاغهم بأنني سأزور الرس مع إخوتي زملاء الجمعية التاريخية لكي يقوموا بالواجب مع أهلهم في الرس وكل أهل الرس والقصيم يتسابقون في إكرام زوارهم لدرجة تتجاوز التصور. لا بد من الوصول إلى عنيزة وإن كان الليل قد أرخى سدوله. لم تكن المسافة بين الرس وعنيزة ببعيدة، ولكن الشوق إلى رؤية باريس نجد كما وصفها المؤرخ والأديب المبدع أمين الريحاني في وضح النهار، أو على أقل تقدير عند مغيب الشمس حيث لكل مدينة خلال هذه اللحظة في نفوس عشاقها معنى لا يدركه إلا من اعتمر قلبه بحب المدن التي لها تاريخ. عذراً عنيزة وصلنا مشارفك بعد العتمة، ولكنك في عداد مدن الأنوار.

عند مدخل المدينة للقادم إليها من جهة الرس كان في استقبالنا عدد من شباب عنيزة بتوجيه من محافظها توزعوا في وسائط نقلنا يحدثوننا عن عنيزة تاريخها حضارتها، وهم فعلاً أدلاء سياحيين بدرجة امتياز، لا غرابة فنحن في عنيزة. عند بوابة مقر سكن المحافظ كان السيد المحافظ المهندس مساعد السليم على رأس المستقبلين من أبناء عنيزة، وكان لطيفا وكريما متحدثا بارعا غمرنا بلطفه، حدثنا عن عنيزة حديث الفخور العاشق لمدينته وما وصلت إليه من نهضة في هذا العهد الزاهر، وقال إن ما تشهده عنيزة وغيرها من مدن القصيم، بل الكثير من مدن المملكة ما هي إلا ثمرة من ثمار وحدتنا الوطنية المباركة.

من مقر سكن المحافظ توجهنا إلى مركز ابن صالح الحضاري أحد معالم عنيزة ورمز من رموز الوفاء من أبناء عنيزة لأحد رواد التعليم في هذه المدينة. وبالمناسبة ما لفت انتباهي أن لكل مدينة زرتها في القصيم مركزا حضاريا، بل أكثر من مركز في بعض المدن عنيزة مثالا. متى نرى في كل مدينة من مدن المملكة مراكز حضارية مشابهة؟

رأينا في مركز ابن صالح ما يسر النفس من نشاطات ثقافية وترفيهية وتعليمية ورياضية وهو مركز شامل لكل نشاط يبحث عنه أبناء عنيزة من الرجال والنساء.

من مركز ابن صالح ذهبت بصحبة أحد أبناء عنيزة في سيارته الخاصة للحاق بزملاء الرحلة في زيارة لمطل عنيزة في مرتفع يطل على معظم أجزاء المدينة، وهناك قابلت رئيس بلدية عنيزة، وذهبنا سويا إلى إحدى حدائق عنيزة الكبرى التي تمكنت البلدية من تحويلها من أرض جرداء إلى جنة غناء استوعبت كل الراغبين من أبناء وبنات وأطفال عنيزة، بل يأتي إليها الكثير من المناطق المجاورة، ورأيت تلك المساحات الخضراء الواسعة تعج بالمتنزهين من كل الأعمار لا يعكر صفو سعادتهم متطفل أو دخيل رأيت اثنين من رجال الهيئة بالقرب من المكان وهما يبتسمان ويتمازحان استغربت المنظر، ولكن تذكرت أننا في عنيزة.

من متنزه مدينة عنيزة الكبير ذهبنا إلى مركز عنيزة الترفيهي حيث يجتمع أبناء عنيزة يتسامرون ويرفهون عن أنفسهم على قرعات الطبول مرددين أغاني السامري العنيزي الجميل. شارك الزملاء أهل عنيزة سمرهم وتحلل الإخوة من رسمياتهم وعشنا ساعات من أجمل ساعات الرحلة؛ بعدها عدنا إلى بريدة وفي نهاية الندوة عدت إلى الرياض بنفس الراحلة، ومع نفس الإخوة رفقاء رحلتنا من الرياض إلى بريدة.

قد يقول قائل وماذا عن الزميلات المشاركات في الندوة وعددهن يربو على الأربعين مؤرخة، وماذا أُعد لهن من برنامج للاطلاع على المظاهر الحضارية لمنطقة القصيم؟ أقول أُعد لهن برنامج خاص للاطلاع على المظاهر الحضارية لمنطقة القصيم، واللقاءات بمثقفات القصيم قام بإعداد هذا البرنامج حرم سمو أمير منطقة القصيم سمو الأميرة نورة بنت محمد آل سعود، وهي بشهادة كل من يعرف هذه الأميرة النشيطة من أكثر الأميرات نشاطاً في المنطقة التي تحل فيها، وشهادتنا نحن أبناء وبنات منطقة عسير مجروحة في أميرة تركت لها أعظم الأثر خلال فترة عمل زوجها سمو الأمير فيصل بن بندر نائباً لأمير منطقة عسير لعدة سنوات. فلقد كانت نبراساً وشعلة تنوير وتثقيف لبنات منطقة عسير ولا يزال الكل يذكرها فيشكرها.

وحدثتني إحدى الزميلات المشاركات - بحضور زوجها - بأنها وزميلاتها قبل قدومهن إلى القصيم قد أعددن للأمر عدته، فتزودن بأنواع الملابس والعبي وطريقة لبسها، اعتقادا منهن بأن للقصيم خصوصية خاصة. دخلن القاعة المخصصة لهن وهن مرتديات عباياتهن فوق رؤوسهن لا يبدو من وجوههن إلا القليل وبقين على هذا الحال؛ فوجدن المفاجأة بأن المشاركات من بنات القصيم لا يلبسن عباياتهن داخل القاعة المخصصة للنساء، ولباسهن عادي مثل لباس أي امرأة عادية في جدة أو الرياض، أو أبها، أو أي مكان آخر، واستغربن من ضيوف الندوة القادمات من خارج القصيم في طريقتهن المتحفظة جداً في لباسهن في قاعة لا يوجد بها غير النساء. قالوا لهن يبدو أن الصورة عن القصيم مبالغ فيها، فنحن مثل غيرنا من نساء بلادنا، فتنفس الوافدات الصعداء؛ ولا أستطيع أن أقول أكثر مما سمعته من تلك الزميلة، ولكن الذي سمعته أيضاً أنهن استمتعن بما أعدته لهم الأميرة نورة وسيدات المجتمع القصيمي من برنامج حافل، وأن هذه المناسبة مكنتهن من معرفة القصيم عن قرب. وهذا يعطينا دليلا على أهمية ترتيب زيارات ورحلات لمناطق بلادنا المختلفة، حتى لا تكون انطباعات مبنية على تصورات ربما تكون خاطئة.

شكراً مرة أخرى لأهلنا في القصيم الأمير، ومدير الجامعة، والمحافظين، والوجهاء والأعيان.

وشكراً للجمعية التاريخية السعودية التي منحتنا فرصة التعرف على القصيم وأهلها عن قرب خلال الفترة ما بين 14 - 17-5-1429هـ.

كان لهذه الخواطر عن لقاء الجمعية التاريخية السعودية أن ترى النور قبل هذا التاريخ، لكنها تأخرت لظروف سفري إلى خارج المملكة بعد اللقاء.

وفي الحلقة القادمة، أو التي بعدها سأنشر في هذا المكان جزءاً من بحثي الذي ألقيته في هذا اللقاء بعنوان: (التجهيزات العسكرية والاقتصادية أثناء ضم منطقة القصيم لحكم الملك عبدالعزيز في عامي 1321، 1322هـ، في ضوء وثائق تُكشف لأول مرة).

عضو مجلس الشورى



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد