Al Jazirah NewsPaper Saturday  05/07/2008 G Issue 13064
السبت 02 رجب 1429   العدد  13064
نحو إستراتيجية وطنية للخدمات الصحية
عبدالعزيز السماري

ترفع أغلب قطاعات العناية الصحية شعار (المريض أولاً) كعلامة على سمو العلاقة بين المريض والطبيب.. تلك العلاقة التي حظيت بتميز في روابط البشر منذ القدم .

وتجاوزت لقرون عديدة البعد المادي في هذه العلاقة الأزلية، لكن لسبب ما غزت الأطماع المادية معاناة المريض في العقد الأخير، بعد أن رفضتها الشعوب المتحضرة، فصار للجشع المادي مؤسسات طبية ومستشفيات تجارية تطارد المريض في رحلته الدائمة بحثاً عن الأمل، وتحرص على كسر إرادته ومفاتيح خزائن مدخراته التي كان يجمعها منذ عقود..

واجهت خدمات العناية الصحية في الوطن تحديات خصخصة الخدمات الصحية، لكن ما حدث أخيرا من وعي متأخر ربما يعني أن هناك بصيصا من الأمل في نهاية النفق، إذ تم تجاوز مرحلة المتاجرة بالعناية الصحية في المستشفيات الحكومية، بعد أن أدخلت الوزارة في الماضي القريب نظام الخدمات الخاصة عبر تخصيص عيادات خاصة واقتطاع عدد من الأسرة لمن يدفع نقداً للمستشفى الحكومي.. كان المواطن يضطر أحياناً أن يدفع تكاليف باهظة للمستشفى الحكومي من أجل تقديم علاج أحد أبنائه أو والديه..

لقد كانت مرحلة تخلو من البعد الإنساني الذي كنا أولى بتطبيقه من بلاد الغرب.. والتي تتمتع أنظمتها الصحية بقدر عال من العدالة إذ يتم تغطية كافة تكاليف عنايته الصحية عبر نظام تأمين (وطني) غير هادف للربح، وليس من خلال شركات تأمين هدفها تجاري بحت مهما حاولت إخفاءه تحت غطاء {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى}...

كان من نكد تلك الفترة على ضمير المجتمع أن عامة الناس كانت تدرك أن النخبة في المجتمع لديهم تغطية كاملة لكافة مشكلاتهم الصحية واحتياجاتهم الطبية في أفضل مستشفيات المملكة وأكثرها تميزاً، بينما يخسر كثير منهم نسبة عالية من مدخراتهم في التنقل من عيادة خاصة إلى مستشفى تجاري لا يعمل ضمن أدنى حدود المقاييس الطبية المتعارف عليها..

يدل التوجه الأخير في افتتاح مستشفيات متخصصة في جميع أنحاء المملكة إن هناك خطة جديدة وأن إستراتيجية صحية بدأت ملامحها في الظهور على خارطة التخطيط التنموي في الوطن، ولكي تكتمل هذه الصورة لابد من الانتظار قليلاً، فالطريق لم تتضح معالمه، والعديد من الأسئلة لا تزال عالقة في أذهان الكثير من المواطنين.

المجتمع في أمس الحاجة أولاً لتحديد الدور الإستراتيجي لوزارة الصحة فالوزارة التي لا تزال تقوم بجميع الأدوار، ولابد من تحديد أدوارها واختصارها في مجالات محددة وذلك من أجل تقديم إنجازات على مستوى عال بدلاً من تشتيت تركيز جهودها لمراقبة وإدارة المستشفيات المتخصصة وغير المتخصصة في أنحاء المملكة.. والحل الأمثل حسب وجهة نظري أن تكون إدارات هذه المستشفيات لها إدارات مستقلة نوعاً ما أو تكون لها مرجعية أخرى غير وزارة الصحة..

من الضروري تحديد مهام الوزارة في وظائف محددة مثل تقديم العناية الأولية وتطويرها مواردها البشرية وتجهيزها طبياً، ولو استطاعت الوزارة تطوير مراكز العناية الأولية لكفاها قيمة هذا الإنجاز.. من أهم الوظائف المتوقعة من هذه المراكز تقديم عناية صحية ذات جودة عالية للمصابين بداء السكر وضغط الدم والربو والحمل الطبيعي، ولو تم ذلك لأدى إلى التقليل من التكاليف الباهظة لمعالجة مضاعفاتهم، كذلك العمل على تطوير أنظمة الوقاية وحماية المجتمع من الأوبئة، وتأسيس مختبر مركزي عالي التجهيز يعمل كمرجعية للتشخيص الدقيق ولتقديم التقارير الدورية عن مشكلاتنا الصحية مع داء الدرن وأوبئة الملاريا والبلهارسيا وحمى الوادي المتصدع والوباء الكبدي..

التحدي الآخر في قضية خدمات الصحة هي كيفية تطبيق أنظمة التأمين الصحي، فنظام شركات التأمين الحالي إذا تم تعميمه للقيام بدور التأمين الطبي فسيكون الوضع مأساويا حسب وجهة نظري وستكون تأثيراته على المواطن في غاية التكلفة، فالشركات الحالية للتأمين يملكها القطاع الخاص وتحرص على الربح المادي، وتعتمد أرباحها في التأمين الطبي على عامل صحة الإنسان، فالإنسان السليم من الأمراض يعتبر هدفاً إستراتيجياً للأرباح، بينما لا يكون المصاب بالأمراض المزمنة مثل السكر والضغط والصرع هدفاً بل حجة لرفع قيمة التأمين على صحته..

تكاليف العناية الصحية لفئة الأمراض المزمنة عالية، وتحد كثيراً من هامش الربح المادي، وهو ما يستدعي التفكير جيداً في قرار المضي في نظام التأمين التجاري، والعمل من أجل إستراتيجية صحية جديدة ونظام تأمين صحي وطني شامل وغير هادف للربح لتغطية تكاليف العناية الصحية المتخصصة على جميع المواطنين بدون النظر لسجلاتهم الصحية، وذلك من أجل تحقيق نسبة معقولة من العدالة كما هو الحال في بلاد الغرب.











لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6871 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد