Al Jazirah NewsPaper Saturday  05/07/2008 G Issue 13064
السبت 02 رجب 1429   العدد  13064
الخمر: مابين أوهام المرح ودوامات الاكتئاب
قبلان محمد قبلان الشمري - مرشد علاج إدمان

سميت الخمر خمراً لأنها تخمر العقل، أي تستره، فهي تزيل العقل الذي هو أفضل ما في الإنسان، وإذا كانت الخمر عدوة لأفضل ما في الإنسان وهو العقل لزم أن تكون أخس الأمور، لأن العقل إنما سمي عقلا لأنه يمنع صاحبه من القبائح التي يميل إليها طبعه، وإذا زال العقل حصلت جملة من الشرور.

وشرب الكحول والإدمان يبدآن بوصول الإيثانول إلى الدم، وسواء كان المقصود هو الخمر أو البيرة أو العرق، فإن جميع المشروبات الكحولية تحوي بدرجات متفاوتة جزئية صغيرة تبدو ظاهريا غير ضارة إنها الكحول الإثيلي أو الإيثانول الذي يجذب المدمنين إليه، كما يجذب بالأحرى كل الخطر نحوهم، فبوساطة مذاقه اللاذع يجذب إليه من يشعر بطعم هذه المشروبات المتخمرة أو المقطرة لكنه يتسبب في المقابل في ثمالة من يتعاطونه، فعندما يشرب المرء كأساً سرعان ما يعبر الإيثانول إلى الدورة الدموية وينتشر في أعضاء الجسم.

وفي لحظة يبدأ المرء بالشعور بأثر ذلك المشروب المتنوع حسب الكميات التي شربها والأنواع والعوامل المختلفة المحيطة به وكذلك حسب العوامل الشخصية وكثافة الشعور تأتي من معدل الإيثانول الواصل إلى الدم، والمسمى (تكحل الدم) الذي تسمى آثاره (الإدمان).

وبدقة أكثر يمتص الجسم الإيثانول في البداية بكميات قليلة جداً عن طريق الأغشية المخاطية في الفم والبلعوم والمريء، وبعد ذلك تمتص المعدة والقسم الأول من الأمعاء كمية قليلة، وكذلك العفج (الاثنا عشرية)، أما القسم الأكبر من الإيثانول فيتم امتصاصه وانتشاره في الجسم في الأمعاء الدقيقة، وهذه السلسلة كلها تجري بسرعة كبيرة لدى من يتناول المسكرات على الريق وتبلغ ضعف سرعة تناولها بعد الطعام، لأن هضم الطعام يبطئ تفريغ المعدة.

مراحل الثمالة

يمكن لنتائج شرب الكحول أن تظهر على المديين القريب والبعيد، ويتضح التسمم الحاد بالكحول في الساعات التي تلي تناولها، فإضافة إلى التأثيرات المهيجة للإيثانول في الجهاز الهضمي هناك أيضاً تأثيرات في الدماغ، وهو المعني بتلك التأثيرات، فالثمالة تتطور حسب ثلاث مراحل، وما دام تكحل الدم أدنى من نحو 77غ-لتر الدم، فإن ما يحدث هو الغبطة، أما الثمالة فإنها تؤدي إلى عواقب وخيمة (يبدأ المخمور بالهلوسة) ويترجم ذلك بحالة من الهيجان، لهذا نجد أن قشرة الدماغ الأمامية، وهي منطقة عصبية تتأثر بالكحول تأثراً شديداً، والنتيجة، يعتقد المرء أنه يفكر جيداً في حين أن حكمه على الأمور يكون خاطئاً، وكذلك تطرأ تغييرات على النباهة واليقظة والوعي والإدراك والذاكرة والتوازن، وحالة (الثمالة المعروفة هي تكحل مرتفع للدم (إذ تبلغ نسبة الكحول في الدم 2غ - لتر) وتترافق الثمالة باضطراب التوازن والخلط الذهني والتشوش وحتى بالعدوانية والهلوسة والتخريف، وتظهر عند هذه المرحلة الآثار التخديرية للكحول، وإذا ارتفع تكحل الدم أكثر من ذلك فيمكن أن تعقب مرحلة النعاس مرحلة الغيبوبة.

وعلى المدى الطويل يعد التسمم الكحولي مسؤولا عن الآفات التي تصيب الأعضاء والهدف الأول لذلك التسمم هو الكبد، وهناك أمراض مختلفة مرتبطة بالكحول، ولا سيما التشمع (وهو تكون نسيج ليفي) قد تؤدي في النهاية إلى التهاب الكبد وإلى النزف الدموي بل وإلى السرطان، والأشمل من ذلك، هناك اختلاطات ناتجة عن الكحول، السرطانات والاضطرابات الوظيفية، متعلقة بالجهاز الهضمي والجهاز القلبي، الدوراني، والجهاز التناسلي، وهذا ليس كل شيء لأن إدمان الكحول قد يؤدي أيضاً إلى سوء تغذية خطر، ونقص الفيتامين ب1 يؤدي إلى أمراض الدماغ (الاضطرابات الحركية، عدم التمكن من تحديد التوجهات، شلل بصري)، وقد تتطور تلك الاصابات إلى إلحاق أضرار بالذاكرة وإلى التخريف كما قد تتطور إلى إصابات في الأعصاب، ونقص في تروية القلب.

بين المرح والقلق

على صعيد الدماغ تعد تأثيرات الإيثانول تأثيرات معقدة، فقد تحدث تحريضات في الدماغ أحياناً مسكنة وأحياناً مرحة وأحياناً قلقة وهكذا، ذلك أن مادة الكحول تؤدي إلى اضطراب مختلف الأجهزة التي تنظم نشاط الدماغ، وبذلك تفعل فعلها في الاحماض الأمينية وتؤدي إلى إبطاء نشاط الدماغ.

إن الإسراف الشديد في تعاطي الكحول يؤدي طبعاً إلى الإدمان، وكل نقص بعد ذلك في التعاطي يترافق عندئذ بهيجان مفرط، أما تأثير الكحول في المزاج فهو تأثير معقد، فالتعاطي في بدايته يؤدي بالدماغ إلى إفراز السيروتونين، وهي مادة يفرزها الدماغ طبيعياً وتؤدي إلى زوال الاكتئاب والشعور بالمرح، لكن ما يحدث فيما بعد، من جراء التعاطي المزمن ظهور حالات عصبية مماثلة تماماً لحالات انحطاط القوى والانهيار العصبي والاكتئاب والإعياء.

هل الكحول من المخدرات؟

أجل دون شك لكنها ليست كالمخدرات تماماً، فهي تختلف عنها بتأثيرها الفعال الأوسع من المخدرات بكثير وهذا ما يعلل أن العلاج من الإدمان على الكحول أصعب بكثير من علاج الإدمان على المخدرات.

أضرار شرب الكحول

1 - أضرار الكحول الصحية:

- الخمر مشروب سهل الاحتراق ويولد الطاقة، فكل غرام من الكحول يعطي الجسم نحو (6) سعرات حرارية، وشارب الخمر يأخذ معظم السعرات الحرارية منها، لذا يحدث الخمر إقلالاً في شهية المدمن ويصيبه بالبدانة المفرطة.

- ومدمنو الخمر كثيراً ما يصابون بأمراض سوء التغذية لنقص المواد البروتينية والفيتامينات والأملاح غير الموجودة في الخمر، ويخرج الكحول من الجسم عن طريقين: الاول عن طريق البول والرئة والعرق، ويمثل نسبة 5% في حين أن الـ 95% الباقية تذهب إلى الكبد للأكسدة، وعليه فإن الكبد يكون أكثرالأعضاء تأثراً بتعاطي الخمور- يقرر الأطباء أن الجرعة القليلة من الخمر تحدث شيئاً من الارتفاع وحده ربما لا يكون له ضرر كبير ولكن يتضاعف إذا كان الشخص مصاباً بمرض ضغط الدم، فإذا كانت كمية الخمر كبيرة فإنها تصبح كافية لأن تحدث هيجاناً يزيد في الضغط لدرجة ينفجر معها شريان في المخ يسبب شللاً قد ينجو منه الشخص جزئياً أو لا ينجو كلياً.

- يزيد الخمر من إفراز العرق، ويؤدي إلى سوء التغذية ونقص الفيتامينات، كما يؤثر في غدد الجسم عموماً ويسبب اضطرابات لها وللقلب، كما أن الخمور وما تحتويه من كحول تفتك بالجسم من خلال مرورها بالجهاز الهضمي ككل حتى تصل إلى الغدة الهضمية (الكبد).. غدة (البنكرياس).. ثم إلى باقي أعضاء الجسم.

ومن المعروف أن الكبد هي العضو الأساسي المعرض لأضرار المواد الكحولية، فالمواد الكحولية تسبب للكبد التهابات وتمزيقاً لخلاياها، وتجمعاً للدهنيات مع تليف يصل بالكبد إلى مرحلة التشمع التي لا شفاء منها حسب تقرير الأطباء، مع ما تحققه هذه الظاهرة من عوارض مرضية تنذر بأشد المضاعفات خطراً، منها التورم المنتشر واليرقان وسيلان الدم، وارتفاع الضغط في الشريان الكبدي البابي، وما ينجم عنه من دوال في المعدة وأسفل البلعوم، وهذا يسبب نزيفاً بالغ الخطورة على حياة المرضى، ومن المعروف والمؤكد علمياً أن نسبة السرطان الكبدي في حالة تشمع الكبد مرتفعة جداً.

ومادة الكحول تترك آثارها السيئة على كثير من الأعضاء الأساسية، فغدة البنكرياس تتحجر هي أيضاً، كما تصيب الأمعاء والمستقيم بنزيف شرجي وتحقنات في أسفل الأمعاء الغليظة وتؤدي إلى التهابات شديدة في الفم والبلعوم والمعدة والأمعاء والأعصاب والدماغ والغدد الصماء وكذلك الحواس مثل العين الأذن.

- الالتهابات الهضمية التي تسببها مادة الكحول تؤدي إلى قلة امتصاص الأغذية وقصور نسبة الفيتامينات، سواء من حيث قلة امتصاصها أو كثرة استهلاكها، وعوارض هذه الالتهابات تظهر في جفاف الشفتين ووجود ألم دائم في اللثة واللسان وتساقط في الأسنان وتورم في البلعوم والمعدة وتقرحات بنسبة مرتفعة وهذا يعرض الإنسان لإصابات سرطانية وهزال.

- يسبب شرب الخمر نقصاً في الزنك بالجسم، وهذا النقص يحدث بعض الأمراض مثل حدوث احمرارات وفقاقيع تظهر على الأصابع، وأكزيما، وحدوث ثعلبة في الشعر، مع التهاب الفم وأطراف الأظفار وفقدان لمعان الشعر.

- أخيراً فإن الخمر يزيد الرغبة الجنسية فقط، لكنه يسبب فقدان القدرة الجنسية، وذلك بسبب سوء التغذية المصاحب لشرب الخمر، وتليف الكبد، والتهاب الاعضاء المصاحب لمدمن الخمر.

وأما بالنسبة للإنجاب فإن شرب الخمر يؤثر سلباً على حيوية الجهاز التناسلي، كما أن الأولاد غالباً ما يصابون بعاهات مختلفة في أجسامهم، لما للكحول من تأثير فتاك في النطفة، ولهذا من المألوف أن يقال في فرنسا مثلا عن ولد متأخر عقلياً وجسدياً إنه ابن يوم الأحد باعتباره يوم عطلة يكثر فيه تناول المسكرات.

2 - أضرار الكحول الاجتماعية

عندما يشرب الإنسان الخمر بصورة متواصلة يسمى عمله هذا إدماناً، والمدمنون فريقان أولهما المصابون بالأزمات النفسية ويبدؤون بتناول الخمر في المناسبات الاجتماعية وبتأثير من أصدقائهم، وعند تكرار ذلك يصبح تناول الخمر لديهم عادة، فإذا استمروا عليها دون انقطاع يتغير سلوكهم ويصبحون مهملين نسبياً وقلقين خائفين، ومن ثم يضطرون إلى الشرب أكثر من ذي قبل للتخلص مما هم فيه من الحالات الشاذة، ويصابون بعدئذ بالتحلل من جميع القيود الاجتماعية وفقدان الثقة بأنفسهم وأسرهم ومن حولهم لأن شرب الخمر يؤثر بالدرجة الأولى على الجهاز العصبي وجميع مراكزه في الدماغ، فيقتل الإحساس بكل شيء ويقلل من سيطرة الإنسان على نفسه والتحكم في سلوكه، وإضعاف صوت ضميره وذهاب الحياء منه، وهذا يدفع بشارب الخمر إلى نبذ الأخلاق وفعل كل منكر قبيح، وإن كثيراً من الحوادث والسلوكيات المخالفة للآداب تقع تحت سلطان الخمر.

والإدمان على الخمر له نتائج خطرة تنصب على العقل مباشرة، كضعف الذاكرة والتأخر في القدرة على التفكير المنطقي المنظم وتسلط الأوهام والوساوس كما أن الإدمان يؤدي دوراً مهماً في الأمراض العقلية.

وشرب الخمر له أخطار على السلامة العامة حيث ثبت أن للخمر علاقة وثيقة بحوادث المرور، لأن مادة الكحول تقلل من سرعة استجابة الجسم للتفاعلات الحيوية داخله، كما تقلل من حدة البصر، ثم إن محيط رؤيته يتقلص شيئاً فشيئاً ويحصل له اختلال في التوازن العام، وإذا أراد أن يعود الشارب إلى حالته الطبيعية يحتاج إلى مدة زمنية، وكلما أسرف في الشرب زاد الخطر واحتاج إلى زمن أطول، ولهذا صار من المألوف عند كثير من الدول مصادرة رخص القيادة من السائقين السكارى مع إلزامهم بدفع غرامات.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد