Al Jazirah NewsPaper Saturday  05/07/2008 G Issue 13064
السبت 02 رجب 1429   العدد  13064
الشباب وإشكالية الهيمنة والتبعية.. العلاقة السببية
مندل عبدالله القباع

عرضنا في مقال سابق بذات الجريدة عدد 1229 لسنة 1427هـ مشكلات التحدي الثقافي الذي يواجه الشباب، وتناولنا بعض الظواهر الدالة سلوكياً والمشاهدة واقعياً. ومن فظاعتها نعتها البعض بأنها تمثل انحرافاً عن خط السواء السلوكي وفقاً لمعاييرنا القيمية وثقافتنا المستدمجة في ذواتنا، وحمّلنا النسق التربوي - ولا زال - مسؤولية ما آل إليه شبابنا من اكتسابه لخبرة حضارية لا متوافقة. وأكدنا على ضرورة استنهاض خبرائنا في التربية لوضع سياسات ذات منهجية تربوية ملائمة للاتجاهات المعاصرة التي تؤهل لتحسين ضوابط ومحددات الخبرة الظاهرة في نماذج السلوك في علاقات التفاعل وضوابط ومحددات الخبرة غير الظاهرة المتمثلة في الدافعية والمتمثلة في عمليات التفاعل ومحركات الممارسة.

وأكدنا كذلك على أن هذه الضوابط والمحددات هي أساس الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي والأمني في وطننا الغالي بكافة مناحيه.

وعقب نشر المقال اتصل بي بعض الزملاء والأصدقاء وبعض الباحثين لأستكمل المقال، على أن أعرض وجهة نظري في العلاقة السببية في مشكلات التحدي الثقافي وأثرها في وعي ومسلكيات الشباب. إلا أن الواقع المجتمعي والوظيفي والشخصي حال دون الاستجابة الفورية لهذا المطلب العزيز. وتم تأجيل ذلك.

واليوم أجدني مدفوعاً للوفاء بهذه الاستجابة؛ حيث إننا نعيش عالماً متصارعاً - حتى على صعيدنا - فثمة صراع بين ثقافتنا العربية الإسلامية وثقافة الآخر المغايرة.

هذا الواقع نعيشه كما تعيشه أمتنا العربية.. إنه واقع يجسد الاختلاف والتباين. ليس صراع (سيمل) ولا تبعية (ابن خلدون)، لكنه صراع الخارج وانعكاسه على الداخل بفعل الاختراق الإعلامي والمعلوماتي.

إن ما يحدث في العالم الآن صراع ثقافات نعيش في أتونه عبر (الميديا) والترجمة والابتعاث والسياحة وضحالة الفكر وسقم المعرفة واستدماج ثقافة الآخر وتمثُّل أخلاقياته، بل وأحياناً الانصياع إلى مذهبيته وطرائقه ونمط حياته.

هذا الصراع الثقافي الذي يمنى به شبابنا يوقعه - حتماً - في صراع مع الذات، الذات المؤمنة بالقيم الإسلامية، والذات المستدخلة في ثقافة الآخر، وعملية التثاقف وحدها تدفع بالشباب المستغرب (الممنهج على موجة ثقافة الغرب) في مهاوي صراعية ثقافية وحضارية.

هاهو الواقع الذي يعيشه شبابنا وسط عالم يحكمه صراع القوة في كافة مجالات النشاط الإنساني بأبعاده السياسية والاقتصادية والأخلاقية والثقافية والعلمية ووسيلته في ذلك المراكز العلمية والمهنية والفضاء الإعلامي والشبكات المعلوماتية والإعلام الجماهيري.

وفي قناعتنا أن هذه الوسائل الوسيطة باتت ذات أثر بالغ في هندسة العقول وتنقية الأفكار وبث الاتجاهات وزركشة القيم..

وأصبح التحدي الأساسي الذي يواجه الشباب هو التبعية السسيولوجية، وبالقطع هي تبعية غير متكافئة وغير متوازنة. والأمر الثاني يتمثل في ربط الشباب بمنهجية الآخر، تلك التي يشيع فيها مظاهر الهيمنة الفكرية والتسلط الأيديولوجي. الأمر الثالث: العمل على تغيير الاتجاهات نحو التنمية المقررة والدخول في تجارب (استهلاكية) مفروضة ذات روابط ومصالح تكرس علاقات التبعية الثقافية والمذهبية السياسية بقصد وضع النموذج الغربي باعتباره الفاعل الرئيسي في مجال التنمية المتوافقة - ظناً - بحيث تجاوزه يُدخلنا - غصباً - في دينامية السيطرة. فما السبيل؟

إنّ السبيل - في قناعتنا - للتصدي لتلك التحديات هو إعطاء مزيد من الاهتمام بقضية التعليم، والمعطى الثقافي، والتوجه الإعلامي في إطار المرجعية المذهبية والثوابت العقيدية المتميزة على المستوى الأيديولوجي بعيداً عن مؤثرات الخارج ومحاولات الهيمنة والمواجهات الصريحة والمستمرة في دعاوى (الحتمية التاريخية) والتغير الاجتماعي الراكض و(التغير الثقافي الكلي) ودعاوى (حقوق الإنسان) و(حقوق الطفل) و(حقوق المرأة) و(حقوق المعاقين والمسنين).. وغيرها.

إنّ هذه الدعاوى تمثل تدخلاً مهيناً في الإرادة الوطنية وخلخلة العقل، وهدم النموذج الأخلاقي الإسلامي وفرض النموذج السلوكي الغربي، وتلاشي المكون الثقافي الوطني لمد الطابع العالمي. هذه هي بعض من العوامل المسببة للهيمنة وفرض التبعية، وسبيلنا في التصدي لها يتمثل في مدى تأثير النسق التربوي.












 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد