Al Jazirah NewsPaper Saturday  05/07/2008 G Issue 13064
السبت 02 رجب 1429   العدد  13064
رحمك الله يا أبا عبدالرحمن
عبدالرحمن بن زيد السويداء - الرياض

في مساء يوم الثلاثاء ليلة الأربعاء 20- 6-1429هـ انتقل إلى جوار ربه الشيخ سعود بن عبدالرحمن بن زيد السويداء عن عمر يناهز الـ95 سنة حيث ولد عام 1334هـ بالروضة بعد معاناة من أعراض الشيخوخة وأمراضها كانت وفاته شبه مفاجئة حيث كان بالمستشفى الملك خالد بحائل مساء ذلك اليوم فأدى صلاة المغرب وهو على السرير يتحدث إلى من عنده ويسألهم عن أحوالهم وبين الحين والآخر يسأل عن أذان العشاء ووجوب الصلاة وعند أذان العشاء فجأة تغير وضعه وارتج جسمه وضاق تنفسه فأسرع ابنه محمد الذي كان عنده إلى الطبيب وحضر الإسعاف في الحال ولكنهم في هذه الآونة وجدوه قد فارق الحياة وانتقلت روحه إلى جوار بارئها رحمه الله. كان الفقيد مثالاً للهدوء والسكينة عاف كاف ملتزم بعمله محافظا على أداء الصلاة في وقتها وقد أمضى عمره فلاحاً مكافحاً في أعمال الفلاحة من غرس النخيل والعناية به وزرع القمح والشعير وغيره وأيام الطريقة الفلاحة التقليدية السني على الإبل لإخراج الماء وكان له دور معروف حتى إذا جاءت الطريقة الحديثة وهي إخراج الماء بالمضخات جارى عصره فأمضى هذا العمر المديد بالاهتمام في تأمين الغذاء للناس ضمن فئة الفلاحين وكان رحمه الله أنيس المجلس يعمره بالدعابة لبعض جلسائه يرمي على هذا دعابة ويسأل هذا عن بيت شعر ويمازح هذا إذا لم يتناول القهوة أو الشاي أو الطعام بأن يقول له: (لعلك عاشقاً) فالعاشق لا يأكل ولا يشرب كانت هذه من ممازحته لبعض الشباب وكان يحلي كلامه ببعض الأمثال الشعبية التي يحفظ الكثير منها لا يتحدث عن موضوع إلا ويورد فيه مثلاً أو مثلين أو أكثر فهو يحفظ الكثير من هذه الأمثال وبحكم عمله في الزراعة طيلة حياته فإن له اهتمام لمطالع النجوم وحساباتها مثل طلوع الثريا والدبران (التويبع) والجوزاء والكايبين والشعراء وسهيل وغيرها من النجوم والطوالع ويعرف عن انصرافه الشمس في الصيف والشتاء (وهو في الحقيقة انصراف الأرض) الانصراف الصيفي بعد يوم 21- 22 حزيران (يونيو) من كل عام والانصراف الشتوي 21-22 كانون الأول (ديسمبر) من كل عام فقد كان يسألني عن انصراف الشمس ويعرف ذلك بأمور محسوسة وهي وجود ظل الأشياء الشاخصة ويورد على كل طلوع نجم أو حدث من الأمثال الشعبية ما يسنده وأذكر إنني عندما زرته قبل شهر كان قد سألني عن موعد انصراف الشمس هذه الأمور قد اكتسبها وحفظها رغم أنه لا يقرأ ولا يكتب ولكن بحكم الممارسة والمعايشة وكان يحفظ كذلك أبياتاً ومقطوعات من الشعر الشعبي لكن الأبيات التي يحفظها كانت ذات قيمة وهي الشواهد التي يستشهد بها على ما يقول من الأحاديث ويجادل في بعض الأمور ويبرهن على كلامه بالشاهد الشعري الذي يرجح روايته لهذه الأمور فقد كان المجلس الذي يكون أحد أفراده عامر بالحيوية والحوار لا يخرج من عنده الإنسان اللبيب إلا بفائدة من معلومة أو مثل أو بيت شعرا وقد استفدت من مجالسه رحمه الله وكان يتسم بالحياء والمهابة والوقار والرزانة وكان عزيز النفس لا يحني هامته إلا لخالقها يقول الحق ولو على نفسه صريحاً في رأيه حتى ولو عارضه الآخرون ولكنه يؤمن بالمناقشة، أما تدينه رحمه الله فقد كان شديد التمسك بالأمور الدينية وكنت أسمع منه دائماً (إذا خلينا الصلاة وش يبقى) وكان من بيته إلى فلاحته إلى المسجد هذه الثلاثة أقطاب التي تسير لها قدماه يومياً وعندما تقاعد عن الفلاحة صار ما بين بيته والمسجد جادة واضحة من كثرة تردده معها خمس مرات يوميا عاش طول حياته في مدينة الروضة وما حاولها بمنطقة حائل ثم انتقل إلى مدينة حائل في السنوات الأخيرة وكان يمضي اسبوعياً في حائل عند ابنه محمد وأسبوعاً آخر في الروضة عند ابنه عبدالرحمن حتى إذا ثقلت حركته استقرأ في حائل ومن الأمور التي لا أنساها ما جرى في العام الماضي عندما كان والدي الشيخ زيد بن عبدالرحمن زيد السويداء الذي يكبر الفقيد بسنتين كان في منزلي بحائل قادماً من الرياض فجاء العم سعود بزيارة وعندما تقابلا كان موقف مؤثر ومثير حيث كان كل منهما ضعيف البصر ثقيل السمع بفعل الشيخوخة شبه مقعد فضم كل واحد منهما أخاه إلى صدر وتعانقاً عناقاً حاراً مؤثراً وانسكبت الدموع بغزارة وارتفع الشهيق حوالي الساعة وبعد تهدئتهما ومحاولة تخفيف ما يعانيانه جلس كل واحد منهما بإزاء أخيه وبدأت الأيادي تتلامس كل يلمس يد أخيه وصدره ووجه ويسكب من الدموع والكلمات تحشرج في الصدور ويقول كل منهما (لعلنا لا نلتقي بعد هذه) وكان منظراً ومسمعاً مؤثراً لنا ونحن حولهما هذا المنظر أثر في نفسي أثراً عميقاً لن أنساه أبداً وفعلاً لم يتقابلا بعد ذلك فرحم الله الفقيد رحمة الأبرار وأسكنه فسيح جناته إنه سميع مجيب وأحسن عزاء ابنيه الأستاذ عبدالرحمن سعود السويداء والأستاذ محمد سعود السويداء وأخواتهما وأم عبدالرحمن ووالدي زيد بن عبدالرحمن السويداء أمد الله في عمره وألبسه ثوب العافية وأحسن الله عزاء أسرة السويداء في كل من الروضة وحائل والرياض وجدة والدمام وحفر الباطن. {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد