Al Jazirah NewsPaper Monday  07/07/2008 G Issue 13066
الأثنين 04 رجب 1429   العدد  13066
يارا
إلى الشيخ الفوزان
عبد الله بن بخيت

في يوم الجمعة 4-7-2008 كتب الشيخ صالح الفوزان بهذه الجريدة تعليقا على مقال كتبته في هذه الزاوية (يارا) بتاريخ 2-7- 2008. تحدث فيه الشيخ عن أهدافي حسب فهمه مشيرا إلى أنني أقترح (إيقاف الدعوة إلى الله وإغلاق بعض مدارس القرآن..). يخطئ الشيخ عندما يظن أن أحدا سيقترح إيقاف الدعوة إلى الله في المملكة العربية السعودية لسبب بسيط أن أبناء هذه البلاد مسلمون بالفطرة وليسوا في حاجة أصلا إلى من يدعوهم إلى الله. فالمحاضرات والمناشط الدعوية والمراكز الصيفية ومدارس تحفيظ القرآن وغيرها من التوجهات الدينية التي أدعو إلى النظر فيها لا علاقة لها بالدعوة إلى الله.

يقول الشيخ: (والإرهاب لا تعالجه الأندية الرياضية وإنما تعالجه المحاضرات المفيدة والمواعظ الناصحة؛ لأن الإرهاب يرتكز على شبهات لا يكشفها ويعالجها إلا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وبواسطة العلماء الربانيين، وهذه المحاضرات والمناصحة والمواعظ مكانها في المراكز الصيفية وتجمعات الشباب في العطلة الدراسية).

في هذا القول نقطتان تحتاجان إلى توضيح: أولا إذا كان هناك شبهات لا يكتشفها ويعالجها إلا العلماء الربانيون فأين هؤلاء العلماء الربانيون منذ أكثر من عشرين سنة عندما كان صغار السن يقادون إلى المقابر والاستراحات المشبوهة والتجمعات، وعندما كانت أشرطة الكاسيت تصخب بأزيز الرصاص والدعوات إلى الجهاد في البوسنة والشيشان، وعندما كان الدعاة يحرضون الشباب على ولاة الأمر وعلى رجال الأمن وعلى المثقفين وعلى الأجانب وعلى الطوائف الأخرى وعلى الغرب والشرق والبشر أجمعين. ثانيا إذا كان الشيخ يرى أن هذه التجمعات مكان لدرء الشبهات فمن أين تأتي الشبهات إذاً؟ كيف تصل هذه الشبهات إلى صغار السن؟ الشاب الصغير يعيش ثلاثة أماكن في حياته كلها (البيت، المدرسة، المسجد). من أي من هذه الأماكن تصله الشبهات التي يتحدث عنها الشيخ؟ هل نحتاج إلى المراكز الصيفية والمخيمات لكي نخلص الأطفال من الشبهات التي تلقاها الأطفال من آبائهم أو من أئمة المساجد أو من المدرسين؟ الشبهات أيها الشيخ تأتي من هذه التجمعات. إقامة هذه المراكز وتجميع صغار السن فيها يعني ترك الأطفال يتعرضون للمرض ثم بعد ذلك نأتي بأمهر الأطباء لعلاجهم.

يقول الشيخ: (ويريد الكاتب أن تكون علاقة الناس برجال الدين علاقة دينية أبوية لا علاقة فكرية قيادية، وأن تختفي وظيفة الداعية من الوجود، مع إبطال أي تجمع يقوم على فكر ديني.. ونقول: كأن الكاتب يريد فصل الدين عن الفكر القيادي، وهذا مذهب علماني باطل) ثمة نقطتان أود أن أجليهما مع الشيخ الكريم. أنا والشيخ وبعض القراء عشنا فترة السبعينات وما قبلها ونعرف كيف كانت العلاقة بين الناس ورجال الدين وكيف انقلبت هذه العلاقة رأسا على عقب بعد حادثة جهيمان والجهاد الأفغاني؟ أسأل الشيخ الكريم: هل كانت العلاقة قائمة على دعاة ومقابر وكاسيتات ودعوات إلى الجهاد وقتل الآمنين واحتقار المرأة وتحريض على كراهية الآخر. هل كان العلماء في تلك الفترة يقودون الناس أم كانوا يوجهونهم وينصحونهم ويزودونهم بما يحتاجونه من أمور دينهم تاركين قيادة البلد لمن هم أهل لها وأمور الدنيا لمن هو أعلم منهم بها. هل كان الناس في تلك الفترة وفي فترات الإسلام الزاهية علمانيين إلا فترة الصحوة؟ الشيء الثاني الذي أتمنى أن ينتبه له الشيخ هو أن العلمانية لا تنمو إلا في البيئة المناسبة وأفضل بيئة يمكن أن تنمو فيها هي سلطة الكهنوت والكهنوت يعني جلوس رجال الدين في سدة القيادة.

أخيرا أقول للشيخ الكريم لو أن الإرهاب انقطع أو انحسر بين الناس لشكرنا أصحاب المواعظ والمحاضرات ولكن ما يجري على أرض الواقع يفرض علينا النظر في وسائل أخرى. المراكز الصيفية والمواعظ والمحاضرات والدعاة أمور لم تكن أبدا من أركان الإسلام ولا علاقة لها بالدين وهي من البدع التي لم نعرفها قبل جهيمان وحادثته المشؤومة التي تبعها الجهاد الأفغاني والأعمال الإجرامية المختلفة في المملكة وغيرها من بلاد العالم. العقل المدرب على التفكير لا بد أن يربط ما جد من وسائل مع ما جد من أحداث. كنا نعرفك ونعرف الشيخ ابن باز ونعرف الشيخ ابن إبراهيم ونعرف كثيرا من المشايخ ولكننا لم نكن نعرف هؤلاء الدعاة الذين يحرضون على الدولة وعلى أمريكا وعلى روسيا وعلى إخوانهم وأبناء بلدهم. هؤلاء الدعاة الذين يحرمون الحب والورود ويحتقرون المرأة.

كثافة المواعظ وظهور رجال يطلق عليهم دعاة وسيطرة رجال الدين على منافذ الحياة في الأمة وتكثيف الجرعات الدينية لم يزد الناس إيمانا ولكنه زاد من التزمت والانقطاع عن الحياة السوية وكراهية الآخر وحب الموت والتفجيرات. ما الذي يضيرك أن نعود في علاقاتنا الدينية إلى ما كنا عليه في السبعينات بلا دعاة وبلا محاضرات وبلا محاضن وبلا سلطة رجال دين وبلا ثقافة كراهية وموت. ما الذي يضيرك أن يعود الناس إلى السعادة والحياة؟

فاكس 4702164


Yara.baket@gmail.com
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6406 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد