Al Jazirah NewsPaper Tuesday  08/07/2008 G Issue 13067
الثلاثاء 05 رجب 1429   العدد  13067
درس (جيتس)
محمد بن عيسى الكنعان

نقلت وسائل الإعلام المختلفة أن ويليلم هنري جيتس الثالث الشهير ب(بيل جيتس)، قد ترك إدارة مجموعة (مايكروسوفت) لخدمة التقنية والبرمجة الإلكترونية في (27 يونيو 2008م)، التي أسسها عام 1975م عندما كان عمره 19 عاماً.

مع صديقه بول آلان، وذلك بهدف تكريس جهده واستغلال وقته الباقي من عمره في الأعمال والأنشطة الخيرية على مستوى العالم، من خلال (مؤسسة بيل ومليندا جيتس) التي أنشأها مع زوجته مليندا عام 2000م، لدعم المراكز الخيرية والبحثية العلمية.

فما الذي يدفع واحد من أثرى أثرياء العالم حتى أنه كان على رأس قائمتهم من العام 1995 إلى 2007م، متربعاً على ثروة تقدر ب58 بليون دولار، الذي يدير واحدة من كبرى شركات التقنية وصناعة البرامج الحاسوبية المذهلة، ما الذي يدفعه أن يترجل عن مقعد المدير التنفيذي ل(مايكروسوفت) لصديقه ستيف بالمر، هل هو الملل الإداري بعد 33 سنة عمل مضنٍ وإبداع ذهني قضاها في بناء هذه الإمبراطورية العملاقة الناشطة في مجال المعلومات التقنية والبرمجة الإلكترونية، أم هو الإرهاق الوظيفي الذي رسم على وجهه مؤشرات الشيخوخة رغم أنه مولود في العام 1955م، أم هو القصور الإنتاجي في العطاء الذهني في زمن الشركات الإلكترونية المتطورة التي تقودها عقول عبقرية وإدارية مذهلة؟ أم أن الدافع الحقيقي هو فعلاً ما أعلنه بالتوجه إلى الأعمال الخيرية عبر المؤسسة التي أنشأها لهذا الغرض، لأن المعتاد في الأعمال التجارية والأنشطة السياسة أن تبقى كثير من القيادات في مناصبها وتتمسك بها حتى يلغيها قدر الله من الحياة، أو تسقطها الظروف المحيطة بها من مواقعها بسبب قضايا مالية أو فضائح أخلاقية، لكن أن تترك مكانها طواعية رغم أضواء الإعلام والشهرة العالمية والمكانة الاجتماعية، خاصةً إذا كانت الجهة التي تقودها أو تعمل بها تحتاج إلى رصيدها المعرفي، وعصارة خبرتها، وفن إدارتها، فما بالك بشخصية فنية وإدارية مثل بيل جيتس.

إذاً رجل (الوندوز) هو أعرف الناس بقدراته الشخصية ومستوى وقودها الذاتي الإبداعي، كما أنه أدرى بطبيعة المجالات التي يمكن له أن يخدم فيها ويقدم فيها إضافات جديدة بما بقي من عمره، فكان (دعم الأعمال الخيرية ومراكز البحوث العلمية) إبداعه الجديد ومحطته الثانية، وهو بهذا يعطي درساً رائعاً وواقعياً على تطويع النفس على المبادرات النافعة وتسخير الذات في سبيل العطاء الإيجابي، سواء كان عطاءً مادياً إنتاجياً كما في (مايكروسوفت) التي غادرها بعد أن صنع اسمها وغرس جذرها في عالم التقنيات بنظام دقيق وخطوط إنتاج فاعلة وعقول إدارية واعية، أو عطاءً حضارياً إنسانياً كما في (مؤسسة بيل وومليندا جيتس)، خاصةً أنه لا يبحث عن الإعلام بل العكس، ولا يريد الشهرة لأنه حققها من يوم أن غزت برامج مايكروسوف البيوت والشركات على مستوى العالم، حتى بلغت أكواخ الجزر البعيدة في المحيطات. ببساطة لقد أقال بيل جيتس نفسه من منصب المدير التنفيذي لمايكروسوفت، ثم وظفها في مؤسسة أعمال خيرية ودعم علمي، لأن الحياة في قاموسه عمل مستمر يتلخص بعبارته الشهيرة: (ليس خطأك أن تولد فقيراً ولكن خطأك أن تموت فقيرا).









Kanaan999@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد