Al Jazirah NewsPaper Saturday  12/07/2008 G Issue 13071
السبت 09 رجب 1429   العدد  13071
يارا
عبد الله بن بخيت

يحب البعض أن يسمي الماضي الزمن الجميل. عندما ألامس الماضي بقليل من الحزن والرومانسية أجد أنه بالفعل جميل، ولكن عندما أتأمل فيه جيداً وأغوص بذاكرتي في تفاصيله لا أجد إلا فراغاً وبساطة وجهلاً وعزلة. في الزمن الجميل كانت أم كلثوم سيدة الليل المتفردة، تستلمنا من بعد الساعة الحادية عشرة ليلاً حتى مطلع الفجر. كانت الإذاعات شرقاً وغرباً بما فيها إذاعة إسرائيل تختتم برامجها بأغنية لأم كلثوم. أستطيع الآن أتذكر تسعين في المائة من أغانيها. الشيء الذي لفت نظري أن كلمات أغانيها كانت عذرية أو رومانسية، لا تتصل بالعيون والشعر والطول والعرض والامتلاء، وإنما بالعواطف. كانت تغني للحب ومشتقاته. الفراق، الذكريات، العتاب، الوصال.. إلخ. يمكن بدراسة لكلمات أغانيها أن نؤلف كتاب الدليل السياحي للقلب أو (حادي الأرواح في بلاد الأفراح). ستجد في كتاب أغاني أم كلثوم (حادي الأرواح) الجواب الكافي على حبيبتك أو المثل الذي تضربه على كل موقف حب تمر به. وإذا ما عندك مانع تلطش بدون حقوق ملكية يمكنك أن تعدل لهجة الكلمات وتصور نفسك أمام حبيبتك أنك رومانسي مبدع. هذا ليس عيباً؛ ففي الزمن الجميل ثمة كتب تحتوي على رسائل حب، تعبر عن كل المواقف التي يمكن أن يمر بها الأحباب. إذا زعلت حبيبتك عليك افتح صفحة 17 وستجد رسالة استعطاف، وإذا أرسلت لك هدية افتح صفحة 43 وستجد رسالة شكر، وإذا (ذبتك) وراحت لغيرك فدونك صفحة 29 ستجد إما عتاباً أو استجداء، وإذا كانت جديدة وتريد استمالتها ففي صفحة 40 ثلاث أو أربع رسائل مطولة تقدمك في ثوب العاشق الولهان، ولكن عليك أن تتوقع أن يأتيك الرد من نفس الكتاب؛ فالكتاب يباع في السوق لكل من يدفع، مثله مثل أغاني أم كلثوم.

لم تكن الأغاني السعودية تنافس أم كلثوم في السطوح. لا أتذكر أني سمعت أغنية سعودية بعد منتصف الليل. الأغاني السعودية في الزمن الجميل مكانها السيارات. هذا لا يعني أنها قربعه. كان لها دور عظيم في تأجيج لواعج القلب، لا ينكر دورها في ترقيق القلوب إلا جاحد، ولكنها كانت مقسومة إلى قسمين: قسم شعبي يمثله سلامة العبدالله وسالم الحويل وتوحه وابن سعيد، وقسم آخر (لا اسم له) يمثله طلال مداح ومحمد عبده وفوزي محسون. هذا القسم يمكن أن نسميه المتطور أو الحديث، وهو في الواقع الغناء الحجازي الجميل، ولكن محمد عبده أبى إلا أن يخلط الأوراق فصار يغني شوي من جازان وشوي من ينبع وشوي سامري، ما خلّى منطقة من مناطق المملكة ما سفط عشاقها في جيبه. حتى صار ألبومه الغنائي يقوم على قاعدة (اطلب تجد)، تبي وصف شعر عندنا، تبي وصف خدود، تبي وصف عيون، براقع شلح شيال شراريب مقص أظافر.. أي شيء له علاقة بالحب والجمال والجسد وأدوات الزينة. انتهى أن غاص في حلاوة الغناء المغموس في النفط الخليجي اللذيذ فتراكض وراءه الفنانون الجدد، عندها اضطر العشاق إلى حفظ الغناء الحجازي في أرشيف الزمن الجميل.

فاكس 4702164


yara.bakeet@gmail.com
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6406 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد