Al Jazirah NewsPaper Monday  14/07/2008 G Issue 13073
الأثنين 11 رجب 1429   العدد  13073
يارا
عبد الله بن بخيت

يمكن أن القول إن أحد أسباب المشكلات المنهجية والتناقضات بين الثقافة الحديثة الوافدة والثقافة العربية التقليدية يعود إلى الترجمة. انفتح العالم العربي على الغرب في القرن التاسع عشر فدخلت مفاهيم كثيرة غير موجودة في الذهن العربي. حاول المترجمون الأوائل تقريب المفاهيم الغريبة بربطها بمفاهيم موجودة في الثقافة العربية. هذه المقاربة ساهمت في رفع درجة إدراك هذه المفاهيم المستجدة ولكنها في نفس الوقت سببت إرباكاً وسوء فهم كبيرين. على سبيل المثال أدى ترجمة كلمة (secularism) إلى (علمانية) إلى أخطاء متلاحقة. صحيح أن المترجم نسبها إلى عالَم (بفتح اللام) وليس إلى علم بكسر العين ولكن إهمال الكتابة العربية للحركات أدى إلى لفظها وكأنها مشتقة من العلم. اختلط هذا المصطلح في ذهن العوام مع كثير من المفاهيم المغلوطة والمضللة حتى أنه استنبت كثيراً من المشكلات فيما يتعلق بالتطور التقني. ما زال كثير من العوام يظن أن العلمانية مشتقة من العلم science ( تلاحظ ذلك في نطقهم لها) مما أضعف الرجال المشتغلين بالعلم الطبيعي. عندما قاد الدعاة المؤدلجون حملتهم ضد الحداثة والتقدم كان أول فرصة لهم هو تشويه دلالة العلمانية فارتبط هذا المصطلح في أذهان العوام بالعداء المطلق للدين والتناقض معه. علماً أن العلمانية في جزء كبير منها تتعلق بمسيحية القرون الوسطى وليس بالدين على إطلاقه. أضافت عمليات التشويه الموجهة للعلمانية تشويهاً أكبر للمشتغلين بالعلم الحديث. الخلط في الترجمة أدى أيضاً إلى المزج بين الاكليركس وبين العلماء.

كثير من المشتغلين في العلوم الدينية يرفضون كلمة رجل دين كوصف لهم حتى لا يلتبس الأمر مع رجل الدين الكنسي PRIEST. هذا صحيح إلى حد كبير في الثقافة الإسلامية. عندما وفدت كلمة(science) ترجمت إلى كلمة (علم) والعلم في الثقافة العربية مرتبط بالعلم الديني والشرعي. حتى أننا في الجامعة لم نكن نطلق على سيبويه أو الخليل بن أحمد أو الفارابي لقب علماء. فكلمة علم مرتبطة بشكل أوثق بالعلم بعلوم الدين. ولا نخطئ إذا قلنا إن مناهج العلم الشرعي ومفاهيمه لا يمكن أن تتفق مع مناهج ومفهوم العلم الطبيعي. فطرق البحث والاستقراء والأهداف في العلم الشرعي تتناقض مع ما هي عليه في العلم الطبيعي. لا يمكن بأي حال من الأحوال وضع الشيخ عبدالعزيز بن باز ودارون في مركب واحد. لا من حيث الإيمان فقط ولكن من الناحية المنهجية الصرفة. إذا كان دارون يبحث عن الحقيقة فالحقيقة بالنسبة لابن باز موجودة لا خلاف عليها. وظيفة العالم الشرعي التعريف بالحقيقة لا البحث عنها. لا يمكن إذاً ترجمة العلم الشرعي إلى اللغة الإنجليزية بكلمة (science). يفترض البحث عن طريقة للتفريق النهائي بين رجل يشتغل في الأمور الدينية وآخر يشتغل في العلوم الأخرى.

فاكس: 4702164


yara.bakeet@gmail.com
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6406 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد