Al Jazirah NewsPaper Tuesday  15/07/2008 G Issue 13074
الثلاثاء 12 رجب 1429   العدد  13074
شيء من
العقيدة والفقه
محمد بن عبداللطيف آل الشيخ

العقيدة ثابتة لا تتغير ولاتتبدل، ولا علاقة لها بتغير الزمان والمكان، ولا يسوغ فيها الاجتهاد مطلقاً، فيجب علينا كمسلمين أن نطبقها دون زيادة أو نقصان، تماماً كما نزلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم-؛ وهذا يعني أنها لا تحتمل (الاختيار)؛ فمنها وبها يتحدد الفارق بين المسلم وغير المسلم. والتجديد في العقيدة يكون بتنقية عقيدة الإنسان المسلم من الخرافات والاعتقادات الشركية، وتحرير المسلم (بالرفق) واللين والموعظة الحسنة من أغلال الدجل والشعوذة، وحضه على إخلاص العبودية التامة لله وحده دون سواه. وعندما يخلص المسلم العبادة لله وحده فهو يشعر ب(حريته) وإنسانيته في أسمى وأنقى وأنبل وأطهر صورها؛ ويكرس في الوقت ذاته مبدأ (المساواة) بينه وبين الجميع، لا فرق بينه وبين كبير أو عظيم أو غني إلا بالتقوى التي هي رهن قدرة أي إنسان مسلم بلا استثناء، ودونما (شفاعة) من بشر ولا حجر.

بينما القضايا الفقهية، وبالذات قضايا فقه المعاملات على وجه الخصوص، هي أكثر فروع الشريعة مرونة، وهي خاضعة للتغير والتبدل ومواكبة المصالح ب(بالتجديد والمواكبة)؛ وهذا - بالمناسبة- ما أنتج في العصر الحاضر ما يسمى ب(فقه الواقع)، أو فقه مواكبة المتغيرات.

في السابق كان التفريق بين هذين الشأنين (العقدي والفقهي) واضح المعالم لدى العلماء الأوائل. بينما نجد اليوم أن هناك خلطاً بين هذين الشقين المكونين للشريعة؛ فتجد -مثلاً- أن موقفهم الممانع لكل ما يمس القضايا (العقدية) يأتي على قدم المساواة مع ممانعتهم في القضايا (الفقهية) القابلة للاجتهاد، والتي كان فيها للفقهاء على مدار تاريخ الإسلام آراء متباينة. هذا الخلط هو أس البلاء؛ وهذه الإشكالية هي التي نريد من فقهائنا أن يدركوها حق الإدراك.

إننا أمام التحديات والنوازل والمتغيرات نجد ألامناص من اعتبار المذاهب الفقهية مصدر تنوع وتعدد وثراء، لذلك لا بد من تفعيلها، ليس بتقليدها والإصرار عليها، وتكرار أقوال مجتهديها، والنتائج التي توصلوا إليها، دونما مراعاة لتغيّر الزمان والمكان والظروف، وإنما بتقليد واتباع المنهج وأسلوب الاستنباط والمنطق والطريقة التي مكّنت أصحاب تلك المذاهب من الوصول إلى تلك الحلول (الفقهية)، التي كانت استجابة لمتطلبات زمنهم، ونزولاً للواقعية التي يتطلبها تلمس مصالح العباد، التي هي من مقاصد الشريعة.

وعلم أصول الفقه بقواعده وآلياته يستطيع أن يتكئ عليه الفقيه في المواءمة بين المصالح والنصوص دون إفراط أو تفريط. وكما يقول أحد الباحثين: (فهذا العلم حدد أصول الاستدلال ووضح كيفية الاستنباط، وضبط لنا حركة التفاعل بين العقل والخطاب الشرعي زمانا ومكانا، مما يسر سبيل الاجتهاد، وأعطى لكل حادثة جديدة ما يناسبها من الحكم، وقنن الفتوى، ووضع شروطها وآدابها)؛ ومنه تحديداً تستمد الشريعة مرونتها وصلاحيتها لكل زمان ومكان.

ويجب أن ندرك أن الفقيه الحقيقي ليس من (يحفظ) تراث السلف الفقهي، ويطبقه بحذافيره دون أن يراعي متغيرات الزمان والمكان والظروف، وإنما ذلك الذي يحذو حذوهم في تفعيل علم (الأصول) الذي كان هو الآلية المعيارية المتبعة في التعامل مع المستجدات الحياتية أو (النوازل)، عندما كانوا يستنبطون أحكامهم، ويحددون مواقفهم منها بالقبول أو الرفض.

كما يجب أن نتذكر دائماً أن الفقيه (المعاصر) والمتحضر، والقادر على البقاء، هو الذي ييسر على الناس بحجة صحيحة، ورؤية متزنة، وواقعية تتماهى مع الظروف ومتغيراتها، وبشجاعة لا يهزها مزايدة مزايد، أو إرجاف مرجف، أما (التشدد) فيحسنه كل أحد.



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6816 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد