Al Jazirah NewsPaper Tuesday  15/07/2008 G Issue 13074
الثلاثاء 12 رجب 1429   العدد  13074

الوطنية شعار أم ممارسة؟
د. عبدالعزيز بن عبداللطيف آل الشيخ

 

الوطنية، ماذا تعني، هل تقتصر على المظاهر أم هي وحدة وطنية في المشاعر وفي السلوكيات، وكيف نتصدى للمشكلات التي تواجهنا، ثم ما هي أصولنا، وماذا نوظف العمق التاريخي لصالح الوطنية؟ ماذا يقول المؤرخون ورجال العلم الشرعيون في الوطنية، كمبدأ وكمفهوم،

وكيف توظف إيجابيا لصالح الوطن؟ ما يحصل من تفاعلات وتداعيات، هل هي نتيجة لعدم إدراك مفهوم الوطنية، كيف يعكس فعل الفرد والجماعة ويجير لصالح الوطن؟

هذه المقالة تطرح أسئلة أكثر من إجابات، والأسئلة مغلفة بما أراه حول هذا الأمر الذي هو على جانب كبير من الأهمية، نعلم جميعا أن حب الوطن من الإيمان، وهنالك من الأدلة في الشريعة الإسلامية (كتابا وسنة) ما يستطيع المتخصصون تبيانه لعامة الناس، وللناشئة منهم على وجه الخصوص. محبة الوطن في جميع الأوقات، ولكن هذا لا يعني الخلاف مع كيفية إدارة هذا الوطن، ولكن يجب احترام الدولة ورموزها، احتراماً ليس فيه إفراط ولا تفريط. فلا يعني عدم الموافقة، الاختلاف في الرأي، غير وطني، مثل شعور الوالدين بالنسبة لأبنائهم يختلفون معهم ولكنهم يحبونهم، فالاختلاف معهم لا يعارض ما يكنون لهم من مشاعر، يجب أن نحترم أولئك الذين يختلفون معنا، لا مانع أن نتحاور فكريا، حول أية قضية، ولكن لا نتحاور جسديا، ولا نختلف على مسألة الوطنية. وحبنا للوطن يجب أن نستشعره ليس داخل حدود الوطن بل في أي مكان خارجه، لابد أن استشعر الوطنية وأجعل الغير يلمسها فيما أقول وما أفعل، خدمة الغير أقدمها لمن يحتاج، من أجل الوطن.

من الأسئلة المطروحة: ماذا تعني الوطنية مفهوما وممارسة؟ كيف نعرف الوطنية؟ وقد نحاول الإجابة على مثل هذه الأسئلة بطرحها مباشرة على الناس، كأن نقول: هل أنت وطنيا، هل تحب بلدك، هل ترى في حضارتك - ثقافتك شموخا وتميزا بالنسبة للحضارات والثقافات الأخرى، هل أنت فخور بوطنك؟ وأنا على يقين، وقد يوافقني القارئ الكريم، أن معظم الناس سيقولون: نعم نحن وطنيون، نعم نحن فخورون بوطننا، وقد تقول نسبة أقل من ذلك: (لسنا كاملون، ولكننا أفضل من أي بلد آخر).

وفي نظري أن المفهوم لم يتغير في حضارتنا، ولكنه ربما يتحور ويتشكل تبعا للمظاهر والمستجدات الحضارية، وإن كان هذا واردا، فقد يعني ذلك وجود أنماط للوطنية. وفي البلدان التي تستطلع آراء مواطنيها حول هذا الموضوع، نجد أن 70 في المائة من الأمريكيين يذكرون أنهم فخورون بوطنهم، يقارن ذلك بما نسبته 40 في المائة من الإنجليز. وفيما يتعلق بالوطنية والاعتزاز بالانتماء الحضاري، فمن الناس من لا يرى ضرورة إجبار الغير على حضارته، على الرغم من قناعته وفخره بها. أما علاقة الوطنية بما يمر به الوطن من أزمات ومحن، فمن المعلوم أن الوطنية تقوى في الظروف الصعبة. وهناك من يقول إنه يفخر بوطنه ولكنه غير متأكد من المفهوم، وهل تقديم التضحيات الشخصية علامة على الوطنية؟ وهنا، هل نستطيع القول إن هنالك مستويات من الوطنية: قوي، متوسط، ضعيف؟، ومن ضعفت وطنيته، هل يصل بنا الأمر لأن نتهمه بالخيانة، أم أن هذا الضعف بسبب عدم إدراك المفهوم؟ الولاء للوطن من أساسيات الوطنية، وله محفزاته، بمعنى أن من الوطنية جعل أسبابها بل ومظاهرها في متناول الجميع، أليس كذلك؟ ولكن قد نتمثل قول الشاعر العربي:

(بلادي وإن جارت عليّ عزيزة

وأهلي وإن ضنوا علي كرام)

جميل أن نشعر بهذا الشعور ونغرسه في النفوس، أليس حب الوطن من الإيمان؟ ويرتبط بذلك طاعة ولاة الأمر، ومساعدتهم وتأييدهم وإبداء المشورة والنصح لهم، كل هذا من الوطنية بالتأكيد. الوحدة في الأسس والمبادئ من دعائم الوطنية، بينما الفرقة لا تساعد الوطنية. كيف نتصدى للمشكلات التي تواجهنا؟ هذا يعتمد على كيفية مواجهتنا لها، فقد يكون أسلوب التصدي لها هو الذي يوحدنا أو يقسمنا، ولو تنوعت خلفياتنا، وقد يكون الأمر كذلك، إلا أننا استطعنا أن نكون وحدة وطنية، أسسها متينة ودعائمها ثابتة، ويأتي في مقدمتها الوحدة الدينية. وقد قيل: (لا دين بلا جماعة ولا جماعة بلا إمامة ولا إمامة بلا سمع وطاعة).

هل من الوطنية أن ينافس المواطن منافسة شريفة في تجارة خارج حدود الوطن تعود بثمراتها على الوطن؟، نعم هذا من الوطنية. هل من الوطنية أن يذهب مواطن خارج بلاده ويدعي الثبور وعظائم الأمور وينتقد بلاده وأهله؟، هذا ليس من الوطنية. فما بالك بمن اتخذ أسلوب الهدم والفساد في الأرض مدعيا أنه على حق، بالتأكيد هذا ليس من الوطنية ولا يمت لها بصلة، بل يتنافى معها ويناقضها.

مما ينافي الوطنية التعصب للرأي وللفئة، مصحوبا بالغضب والعنف والهجومية. الخدمة الوطنية والإخلاص في العمل والتفاني فيه والتميز في الأداء، وهذا الإخلاص سواء أكان من العامل أم من الموظف أم من الجندي أم من الطالب أم من الأب أم من الأم أم من ولي الأمر، جميعها مؤشرات للوطنية ودلائل عليها بلا أدنى شك. استمع لمواطن يقول: (إنني أؤيد بلدي في كل الأحوال ولكنني قد اختلف مع الطريقة التي يدار بها بلدي أحيانا ولو اختلفنا في مسألة لها علاقة بإدارة الدولة فلا ننتقم من الوطن). أما احترام مكتب ولي الأمر يعتبر رمزا للوطنية، وحتى الذين يختلفون مع ولي الأمر لا يجب أن يذكروا شيئا سيئا بحقه، ومن المعلوم أن طاعة ولي الأمر من طاعة الله سبحانه. وقيل في الأثر: (من رأيتم يدعو لولي الأمر فاعلموا أنه صاحب سنة، ومن رأيتم يدعو على ولي الأمر فاعلموا أنه صاحب بدعة).

أود أن يكون وطني (المملكة العربية السعودية) مثالا يحتذى في العدالة والتطور، أريد من يعمل في الدولة، مثلا، أن يشعر أخيه المواطن بأنه في مثل بيته عندما يستقبله ذلك الموظف في مكتبه ويقدم له خدمة، واجبة عليه، ولا يقول له (راجعنا غدا)، وهو يستطيع أن ينجز ما راجعه من أجله اليوم. ليس من الوطنية ألا يحترم الموظف المراجع، أو يظهر له امتعاضا، ليس من الوطنية أن يقول عن المسئول أنه في اجتماع وهو ليس كذلك، هنالك بعض المقويات للوطنية وبعض المضعفات لها. هنالك ثمة علاقة تبادلية، من وجهة نظري، بين الولاء والإخلاص، وأستطيع القول إن (الولاء ينتج الإخلاص والإخلاص يدعم الولاء).

من ينخرط في العسكرية تطوعا، فهو يريد خدمة الوطن بإخلاص ووطنية، ومن خلال خدمته للوطن فهو في واقع الأمر يخدم الجنس البشري، الوطنية لا تنحصر في الوطن، بل تتجاوز حدوده، وما المساعدات التي تقدم للغير إلا رمزا للوطنية. أما علاقة التضحية بالوطنية، فمن السهل أن تكون وطنيا عندما تكون محاطا بالناس، ولكن عندما تكون بنفسك وليس حولك أحد، هنالك تتضح الوطنية في ذلك الفرد عندما يكون بمفرده، وهذا يعني أن الفرد يجب أن يكون مؤتمنا على وطنيته، أو بمعنى آخر لا ينظر إليها كثوب يلبس أحيانا ويخلع أحيانا أخرى. ثم أخيرا نريد من علماء الشريعة أن يبصروا الناس بهذه المفاهيم وما ورد بشأنها من الكتاب الكريم والسنّة المطهرة، ونريد من الباحثين الأكاديميين المختصين إجراء دراسات استطلاعية بالنسبة للوطنية ومفاهيمها عند الناس، بمختلف أطيافهم الديموغرافية والاجتماعية والاقتصادية، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.

أستاذ الجغرافيا بجامعة الملك سعود

رئيس مجلس إدارة الجمعية الجغرافية بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية


 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد