Al Jazirah NewsPaper Tuesday  15/07/2008 G Issue 13074
الثلاثاء 12 رجب 1429   العدد  13074
منهجية الاستثمار بالمقلوب!
ماجد بن ناصر العُمري

إن مَن يتأمل واقع عالم الأعمال في بلادنا اليوم وما يمارسه رجال الأعمال والشركات والمؤسسات وصغار التجار، فله أن يتساءل هل نحن مستثمرون أم مضاربون؟ وما معنى المضاربة بالنسبة لنا؟

مضاربة في الأراضي والأسهم، وحتى في المواد الغذائية والطبية والحديد أيضاً، فيا ترى لماذا نضارب؟ وما معنى الاستثمار بالنسبة لنا؟

في الحقيقة إن غالبية المتعاملين بسوق الأسهم السعودية يستخدمون مصطلح (مستثمر) ولكن بالمعنى المقلوب حقيقةً، حيث يُقصد به الشخص الذي يتملك سهما معينا لمدة لا تتجاوز ستة أشهر! ويا لعجبي لهؤلاء!

ألا يعلمون أن (وارن بوفيت) أعظم مستثمر في العالم يقول: إن السهم الذي تعتزم تملكه لمدة لا تقل عن عشر سنوات لا يستحق أن تفكر به لمدة عشر دقائق! ويقول هذا الرجل، يجب أن تفكر بجدية في أنك لا تتملك سهماً بعينه وإنما تتملك حصة في شركة، ولتنظر لهذه الشركة وكأنك تريد شراءها بالكامل، ولتفهم نشاطها، ولتستخدم منتجاتها وتتعامل مع منسوبيها (بمعنى أنه يقصد أن تنظر لها من زاوية إدارية وليس مالية فقط لأن الإدارة هي التي تجلب المال وتضيّعه أيضاً)، فكم هو الفارق بينه وبين من يشترون أسهماً ولا يعرفون نشاط الشركة، فكم من واحدٍ يظن شركة (معدنية) تستثمر في الذهب والمعادن، وكم واحدٍ يظن أن سابك تتنج الحديد فقط، وكم واحد لا يعلم مدى خسائر الشركات الزراعية التي وضع ماله كلها بها؟! ومن هو الذي يسأل عن مدير الشركة ورئيس مجلس الإدارة ومدى احترافيتهم والتزامهم وأدائهم التاريخي ومدى حاجة أسواقنا إلى القطاع الذي تعمل به تلك الشركة وغيرها من الأمور المهمة التي يجهلها حتى من يسمون خبراء اقتصاديين وتضج بهم الصحف والقنوات!

وحين البحث عن مسببات المضاربات العشوائية في أسواقنا سنجد أنها تعود لعوامل كثيرة منها أن الناس تتوجه للمضاربة لأنهم يبحثون عن الربح الأسرع والأسهل، فلم نتعود على ثقافة الجدية والالتزام والعمل والإنتاج، ولأن الأجهزة الحكومية مليئة ببيروقراطية تنفّر كل من تسوِّل له نفسه أن ينشئ كياناً اقتصاديا! ولأن قراراتنا الحكومية أيضاً أشبه بالسيارات التي تعترض السيارات الآمنة على الطرقات! بين قرارات وزارة التجارة لتنظيم المساهمات العقارية التي حولت السوق العقارية إلى سوق كاسدة بين عامي 2005 و2006 فتحولت السيولة اثر ذلك إلى المضاربة الهوجاء في سوق الأسهم التي انهارت أيضاً بسبب عوامل عديدة من بينها قرارات وتصريحات هيئة السوق المالية، وغيرها كثير كأنظمة النطاق العمراني وتعقيدات التخطيط الذي يعتبر مساهما رئيسيا في ارتفاع أسعار العقارات التي بدورها تعتبر مساهما رئيسيا في ارتفاع معدلات التضخم، ولا ننسى حكايا التأشيرات والسعودة وحوار الطرشان مع وزارتنا المبجلة (وزارة العمل).

إذن بعد كل هذا لا نستغرب من تحول تجارنا كباراً أو صغاراً إلى مضاربين وتحول سيولتهم إلى أموال ساخنة إذا ظللنا بهذه الحال، كما أن هنالك عوامل أخرى من أهمها أيضاً (التعليم) الذي يدرس الرسم وكرة القدم والكثير من المواد العلمية المكثفة التي تعتمد على التلقين دون أن نعلمهم كيف يستثمرون أموالهم، وما معنى سهم وما معنى رهن وكيف نحصل على قرض ولماذا وكيف نضع خططاً مالية ونعد دراسات جدوى وكيف نقرأ القوائم المالية وما معنى ميزانية؟!

فأبناؤنا الذين يدرسون القرآن يمرون بالكثير من الآيات التي تحث على العمل وعمارة الأرض والإنتاج وعدم الغش وحسن المعاملة واستئجار القوي الأمين، حتى أننا نعلمهم الآية الكريمة في قوله تعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}، ولكننا لم نعلمهم من أين يتم الحصول على هذا المال؟ وكيف ننميه ونحافظ عليه؟ وكيف نجعله مساهماً في تنمية بلادنا ونهضة أمتنا ورفعتنا ورفعتها فلماذا لا نعلم أبناءنا ذلك! ولم لا نعلمهم كيف يتم تربية الأبناء أيضاً لكي يظلوا زينة بدلاً من أن يصبحوا عالةً علينا وعلى مجتمعنا، للأسف لا يوجد أحد في مدارسنا يقوم بهذا الدور الأهم من تكثيف مواد الرياضيات وجغرافية موزمبيق ونهر الأمازون وكيفية نشوء النواة والبوتقة وما هو المغناطيس والجبر والمعادلات التي لا أدري متى سيحتاجها أبناؤنا؟!

لذلك، فلنعد النظر في ما نعلمه لأولادنا وبناتنا في البيوت والمدارس، ولنعلمهم معنى العمل، وكيف يكون العمل وما هي عمارة الأرض، ولنسلحهم بالأدوات التي تنفعهم في دنياهم وآخرتهم، وحتى رجال الأعمال وملاك الشركات والمؤسسات فليتساءل كل واحدٍ منهم: لماذا يستثمر في هذا القطاع؟ ولماذا يضارب؟ وما هي المخاطرة في ذلك على نفسه وعلى الاقتصاد الوطني؟ وكيف ننشئ كياناتٍ اقتصادية فاعلة ومنتجة تقدم المنتجات والخدمات، بالجودة والفعالية، وما الذي تحتاجه بلادنا؟ وكيف نساهم في الاكتفاء الذاتي من كل قطاع؟

أتمنى ذلك.

كاتب ورجل أعمال


majed@alomari.com.sa

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد