Al Jazirah NewsPaper Thursday  17/07/2008 G Issue 13076
الخميس 14 رجب 1429   العدد  13076
شيء من
المرأة والسفر
محمد بن عبداللطيف آل الشيخ

قضية السماح للمرأة بالسفر دون إذن زوجها، أو وليها، تبقى قضية خاصة بين الزوجة والزوج، أو بينها وبين وليها. أن تتدخل السلطة الحاكمة، وتطلب من الزوجة الراغبة في السفر إذناً من زوجها، أو وليها، فهذه ممارسة لم يعرفها تاريخ الإسلام؛ فلم يذكر لنا التاريخ أن السلطة الحاكمة في المدينة - مثلاً - زمن الرسول - صلى الله عليه وسلم -، أو أحد من خلفائه، أو في الدول الإسلامية التي أتت فيما بعد، كانت تتدخل وتمنع النساء من مغادرة المدينة أو القرية التي تعيش فيها المرأة إلا بإذن من وليها. وأنا هنا لا أتحدث عن صحة أو عدم صحة أقوال الفقهاء في سفر المرأة دون إذن وليها، فهذا شأن آخر، وإنما أتحدث على وجه الخصوص عن مدى مشروعية (تدخل) السلطة الحاكمة (الحكومة) في مثل هذه الشؤون الخاصة؛ وهل كان لمثل هذا المنع سابقة لدى السلف ليكون له لاحقة لدى الخلف؟

هناك كثير من القضايا المحرمة، أو المكروهة، أو تلك التي تقع في منطقة البين بين حسب شروط كل حالة؛ مثل هذه القضايا تبقى في الإسلام (قضية خاصة)، ولا تتدخل السلطات إلا إذا وصل الخلاف فيها إلى (القضاء)؛ عندها تتدخل السلطة لتنفيذ ما تقرر قضائياً في موضوع الخلاف. أما أن تبادر السلطة من تلقاء نفسها، وتتعامل مع الزوجة انتصاراً للولي وتقييداً لحرية المرأة (ابتداء)، فهذا لم يعرفه تاريخ السلطة الحاكمة (الحكومة) في الإسلام في جميع مراحله، وإنما هي من (المحدثات) التي أضافها تشبثنا غير المبرر ببعض العادات والتقاليد التي تجعل من المرأة الحرة - في المحصلة - وكأنها (ملك يمين) يتصرف بها الرجل تصرف الملاك في أملاكهم.

وضحايا هذا النظام المجحف كثيرات. فهناك - مثلاً - نساء راشدات ومتعلمات، بعضهن يحملن شهادة الدكتوراه، لا يسافرن إلا بموافقة أبنائهن لأنه هو (الولي) الذكر لهن، ليصبح الابن - حتى وإن كان مراهقاً - هو الوصي الشرعي الذي يسمح لوالدته (الدكتورة) بالسفر من عدمه!

مثل هذه الأنظمة تحمل في مضامينها انتهاكاً فاضحاً لكرامة المرأة، وانتقاصاً من إنسانيتها، ولا يمكن (البتة) أن نستمر في تطبيقها، فضلاً عن الدفاع عنها أمام منظمات حقوق الإنسان التي تمتلئ بها دول العالم، التي لها اليوم دور فاعل ومؤثر في صناعة الرأي العام خارج المملكة، إضافة إلى أن حقوق الإنسان، ناهيك عن حقوق المرأة على وجه الخصوص، أصبحت في زمننا قضايا تهم الإنسانية جمعاء، ولا يمكن (الدفع) فيها بحجة (الخصوصية) كما كنا نفعل سابقاً.

ولعل قرار السماح للمرأة بالسكنى في الفنادق حتى لو لم يكن معها محرم جعلنا نتفاءل كثيراً بأن هذا القرار هو بمثابة القطر الذي يسبق الغيث، وأن هناك خطوات ستتخذ في سبيل إعادة حقوق المرأة إليها وأن الدولة متجهة في هذا الاتجاه التنموي بحزم وعزم لا يخالجه التردد، الذي لا يمكن أن يقوم للتنمية البشرية في بلادنا قائمة بدونه. وما زلنا ننتظر الأخبار السارة وكلنا آذان صاغية.



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6816 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد