Al Jazirah NewsPaper Friday  18/07/2008 G Issue 13077
الجمعة 15 رجب 1429   العدد  13077
رياض الفكر
حرام ولا يجوز!
سلمان بن محمد العُمري

الشريعة الإسلامية وأحكامها قائمة على رفع الحرج والتيسير على المكلفين، وقواعد التيسير مستمدة من نصوص الكتاب والسنة، وقائمة على أدلة شرعية، فديننا الإسلامي دين السماحة والتيسير لا دين التشدد والتعسير، وقد دلت النصوص من الكتاب والسنة على أن التيسير والتخفيف أحب إلى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم.

يقول الله تعالى: {يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}.

ويقول سبحانه: {يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً}.

ويقول عز وجل: {مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ}.

ويقول الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم: (خير دينكم أيسره) رواه البخاري وأحمد، وتقول عائشة رضي الله عنها: (ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا أخذ بأيسرهما ما لم يكن إثماً، فإذا كان إثماً كان أبعد الناس عنه) متفق عليه، ويقول صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته).

وأنتم تقرؤون التحقيق المجاور لهذه المقالة دعوني أشرح لكم دواعيها فقد روى لي أحد الأفاضل من كبار السن موقفاً له قبل أعوام عدة ويقول: رأيت ما يواجهه كبار السن في المقابر من حرج وضيق وتعب نتيجة لوقوفهم الطويل فقمت بإحضار مجموعة من الكراسي وكتبت عليها (وقف لله) ووضعتها في مقبرة النسيم رغبة في الأجر عندما يرتاح كبار السن خلال انتظار دفن الجنائز، وبعد أيام عدة أتيت للصلاة على جنازة فوجدت أن الكراسي قد أخرجت من المقبرة من قبل أحد المجتهدين غير المسؤولين ولا أعلم مصيرها وكانت كراسي بسيطة ورخيصة الثمن وليست مزركشة ولكنها تؤدي الغرض, ثم علق رجل آخر عن موقف لبعض الناس حينما أخذوا يحتجون على توزيع الماء في يوم قائظ بحجة أن هذا الفعل بدعة, ولا يجوز, وقد استضفت مجموعة من أصحاب الفضيلة للحديث عن هذا الموضوع ولا مزيد أو تعليق على حديثهم، ولكنني أؤكد على أهمية أن نلتمس للضعفة والمساكين ما شرع الله لهم من الرخص في حقهم واختيار التيسير إذا ظهرت الحاجة إليها, وينبغي على العلماء أن يأخذوا بالأقوال التي تيسر على الناس، والله يريد بهم اليسر ولا يريد بهم العسر.

إن لنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة فقد بعث أبا موسى ومعاذاً إلى اليمن وأوصاهما بقوله: (يسرا و لا تعسرا وبشرا و لا تنفرا وتطاوعا ولا تختلفا) متفق عليه.

ولقد أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم الأئمة بالتخفيف على المأمومين لأن فيهم الضعيف والكبير وذا الحاجة، وقد يفتي العالم بالأحوط لبعض أهل العزائم والمتورعين أما العموم فالأولى بهم اليسر، وعصرنا اليوم أكثر من غيره حاجة إلى إشاعة التيسير على الناس بدل التنفير.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم أشد ما يكون إنكاراً للتشدد إذا كَوَّن اتجاهاً وتبناه جماعة ولم يكن مجرد نزعة فردية عارضة وهذا ما نلحظه في إنكاره على الثلاثة الذين اتخذوا خطّاً في التعبد غير خطه، وإن كانوا لا يريدون إلا الخير ومزيد التقرب إلى الله تعالى، فعن أنس رضي الله عنه قال: (جاء ثلاثة رهط إلى بيوت النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم فلما أخبروا كأنهم تقالوها وقالوا: أين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟ قال أحدهم: أما أنا فأصلي الليل أبداً، وقال آخر: أنا أصوم ولا أفطر، وقال آخر: وأنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم فقال: أنتم الذين قلتم: كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني) متفق عليه.

وعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا وأبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة) رواه البخاري، وفي رواية له (سددوا وقاربوا واغدوا وروحوا وشيء من الدلجة القصد القصد تبلغوا) وإن هذا التيسير لهو من سماحة الإسلام وسهولته وشموليته، وليس ذلك بمستغرب فهذا الدين هو دين الإسلام دين رب العالمين فربنا سبحانه هو المشرع وهو عالم الغيب ومدرك لضعف عباده وحاجتهم وأدرى بما تهواه أنفسهم وما ترغب إليه وما تنفر منه.

وسماحة الإسلام شاملة وعامة فالقَصْر والجمع في السفر، ورخصة الإفطار للمسافر والمريض والتقوى بقدر الاستطاعة وعدم تكليف النفس ما لا تطيق فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها ومن التيسير المطلوب الاعتراف بالضرورات التي تطرأ في حياة الناس سواء أكانت ضرورات فردية أم جماعية فقد جعلت الشريعة لهذه الضرورات أحكامها الخاصة وأباحت بها ما كان محظوراً في حالة الاختيار من الأطعمة والأشربة والملبوسات والعقود والمعاملات وأكثر من ذلك أنها نزَلت الحاجة في بعض الأحيان خصوصاً أو عامة منزلة الضرورة أيضاً تيسيراً للأمة ودفعاً للحرج عنها.



alomari 1420 @ yahoo .com
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5891 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد