Al Jazirah NewsPaper Sunday  20/07/2008 G Issue 13079
الأحد 17 رجب 1429   العدد  13079
الوهابية كما يفهمها الأمريكيون
الدكتور أنور بن ماجد عشقي

في نهاية شهر يونيو 2008م كنت في زيارة للولايات المتحدة الأمريكية بعد انقطاع دام ثلاث سنوات.. قدمت إلى واشنطن بدعوة من مركز الديمقراطية وحقوق الإنسان.

اعتدت قبل وصولي أن أترك خبراً لدى الأصدقاء، وأحدد معهم موعداً للمقابلة.

وفي اليوم التالي كنت ألتقي مع ثلة من المفكرين الاستراتيجيين في الدور الرابع والعشرين من فندق ريتز كارلتون بفرجينيا.

وفي أول يوم حضر الدكتور باب كرين أحد مؤسسي مركز هارفارد للدراسات الاستراتيجية، ومركز جورج تاون، وكان مستشاراً للرئيس نيكسون، بالإضافة إلى كل من جوديث مافي كبيرة الباحثين بمركز دراسات الأمن القومي، والدكتور يحيى هندي، وغيرهم من رؤساء مراكز الدراسات.

دار الحديث حول الشرق الأوسط، وأمن الخليج، والعراق، وإيران، ولبنان، والإرهاب، وانضم إلى الحوار بعض من كانوا في تلك الصالة، ممن نعرف ولا نعرف، لقد تجاوز الحديث ثلاث ساعات متواصلة، وحينما عرجنا على الإرهاب علقت الدكتورة جوديث قائلة بأن مشكلة الشرق الأوسط، بل والعالم بأسره اليوم سببها الوهابية.

أراد أحد الحضور التعليق عليها، فاستمهلته وظلت تسهب في توجيه التهم إلى السلفية والوهابية، وبعد أن فرغت قلت لها: هل تعرفين كيف ظهرت الدعوة الوهابية؟ قالت: لا، قلت لها: هل لديك معرفة بالمبادئ التي ارتكزت عليها؟ قالت: لا، هل قرأت عن محمد بن عبدالوهاب، قالت: لا؟ عندها ارتسمت ابتسامة عل وجه بعض الحضور من المسلمين، ومن الذين سبق لهم أن قاموا بزيارة إلى المملكة العربية السعودية، قلت لها بأن الجزيرة العربية عاشت أكثر من ثلاثة عشر قرناً ممزقة تتعرض للفساد الاجتماعي والانحراف عن الدين، كانت القبائل في صراع، وخلت المدن من الأمن والعدالة، وساد الطرق الانقطاع والخوف وعدم الطمأنينة، كما أن الفساد بكل ألوانه يعم الجزيرة العربية، ومعظم الدول الإسلامية.

في نجد كان الإمام محمد بن سعود يعتصر ألماً للفساد الاجتماعي الذي يخيم على الأجواء، وكان بالطريقة التي يصلح بها هذه الأحوال في الحجاز، وبالذات في المدينة المنورة، كان الإمام محمد بن عبدالوهاب يتلقى العلم على الشيخ محمد حياة السندي، وجاءه يوماً بعد الصلاة بالمسجد النبوي في يوم من أيام الحج يشكو له أحوال المسلمين، وفساد العقيدة الذي أخذ يعم الجزيرة العربية، بل والعالم الإسلامي.

جاء الإمام محمد بن عبدالوهاب إلى شيخه ليقول له كيف نحارب هذا الفساد، فرد عليه شيخه قائلاً: لا بد من السلاح، قال له الإمام، ومن أين لنا هذا السلاح، فقال: إن لدي ما يكفي من ذلك، ثم أخذ بيده، ودخل معه إلى المكتبة، وأشار إلى الكتب، وقال له هذا هو السلاح الأفضل، سلاح العلم للقضاء على هذا الفساد والعودة بالناس إلى الدين الصحيح.

عاد الإمام محمد بن عبدالوهاب إلى نجد، والتقى بالإمام محمد بن سعود في الدرعية، فأخذ كل منهما يشكو لصاحبه أحوال المسلمين، ويبث همومه، ثم تعاهدا على أن يوحدا الجزيرة العربية التي لم تتحد منذ عهد الخلفاء الراشدين، ومن ثم يصبح بالإمكان الإصلاح الديني من خلال تطبيق الشريعة الإسلامية، والعقيدة الصحيحة، والإصلاح الاجتماعي، والسياسي من خلال تطبيق النظام الشرعي والعدالة الشرعية، خصوصاً وأن الجزيرة العربية تضم الحرمين الشريفين.

إن الوهابية ما هي إلا دعوة إصلاحية تتطلع إلى العودة بالمسلمين إلى الأسس الإسلامية الصحيحة، والرجوع إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وتوعية الشعوب الإسلامية بها، عندها أصبحت الدرعية مركزاً قوياً للدعوة الإصلاحية، وحصناً منيعاً وأميناً لها.

بدأ الإمام محمد بن سعود مسيرته لتوحيد الجزيرة العربية، فأخذت مدن نجد وغيرها من القبائل والمدن بالجزيرة العربية تبايع الإمام محمد بن سعود، إما رغبة في العدل أو خوفاً من القتال، فهذه هي الدعوة الوهابية الإصلاحية.

لم تكن الدكتورة جوديث وحدها المتحاملة على الشيخ محمد بن عبدالوهاب ودعوته، بل وجدتُ هذا الفكر سانداً في كل الندوات والمؤتمرات التي حضرتها في الولايات المتحدة، وكذلك النخب الثقافية التي التقيت بها، وتساءلت من وراء تشويه السمعة، هل هم الأعداء الذين نقلوا الصورة الخاطئة عن هذه الدعوة الإصلاحية؟ أم أننا نحن الذين أسأنا التعامل مع الآخرين، واتهمناهم بالكفر في كل مكان، ولعناهم في مجالسنا ومساجدنا، والمنابر العلمية والتعليمية، فإذا كان ذلك يمكن السكوت عنه في الأيام الماضية، فإنه لم يعد مقبولاً اليوم، بسبب الفضائيات والجوالات والإنترنت، فما نقوله اليوم يصل إلى كل إنسان في هذا العالم، والدعوة الإصلاحية في أساسها ليست دعوة متطرفة أو تكفيرية، لكن فئة من حسبت على الدعوة الإصلاحية حولوها إلى أسلوب يحمل الغلظة والتشدد.

لقد كفرنا المسلمين على لسان الدعاة في الدول الإسلامية، وبشكل خاص الأقطار التي تحررت من النظام الشيوعي، وكفرناهم في الدول العربية، وكفرناهم حول الكعبة، وأمام الحجرة النبوية، وأعلنا ذلك في المنابر والمساجد ومقاعد التعليم.

لقد حرمنا العالم من القيم العظيمة التي دعا إليها الشيخ محمد بن عبدالوهاب، ومن السماحة التي كان يتمتع بها، ومن الفكر الذي كان يطرحه على تلاميذه وأصدقائه.

إن التشويه الذي لحق بدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب امتد إلى كراهية الإسلام ونبي الإسلام، كما انتقل إلى القرآن والحديث، وهذا ما شاهدته واستمعت إليه في المؤتمر الذي حضرته في اليوم التالي، واللقاءات والندوات التي شاركت فيها أثناء وجودي بالولايات المتحدة الأمريكية.

فإذا كان الله عز وجل نهانا عن سب الذين يدعون من دون الله، فيقول سبحانه وتعالى: {وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ}، فما بال من يسب المسلمين، ويتهمهم بالكفر، وصدق من قال: ما سبك الذي سبك بل سبك الذي تسبب في سبك.

إن علينا أن نعيد حساباتنا، وأن ندعو إلى الحوار الهادئ، وحسن المعاملة مع الذين يتفقون معنا، والذين يخالفوننا.

والله الموفق







eshki@doctor.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد