Al Jazirah NewsPaper Sunday  20/07/2008 G Issue 13079
الأحد 17 رجب 1429   العدد  13079
نوافذ
شرفة أندلسية
أميمة الخميس

هناك فوق شرفة أندلسية استعاد المشهد القديم سطوع ألوانه ودقة تفاصيله, واستجاب العربي إلى النداء القديم الذي ما برحت أفياء الأندلس تبثه صباباتها منذ قرون.

الفترة الإسلامية في الأندلس وبإجماع المؤرخين، هي الفترة الذهبية في تعايش الشعوب والأعراق والديانات، هذا بالتحديد نهض بالحضارة الإسلامية هناك لتصل إلى مسافات مذهلة بمقاييس تلك الفترة، لأن السنة الكونية تخبرنا دوماً أن الحروب والغزوات هي طارئة ومؤقتة ولابد أن يتبعها فترات استقرار طويلة تستطيع الحضارة من خلالها أن تنشر رسالتها وتحقق أهدافها للبشرية جمعاء ومن دون هذا سيكون هناك تقاطع مع التكليف الإلهي الكريم بالتعارف والتعايش { وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا } والله قد فطر الناسَ على غريزة (التلاقي والاجتماع, والتعايش). والإنسانية في مسيرتها دوماً تخلف القتال وإدارة التوحش وراء ظهرها للوحوش في الغابة وتصبو للأعلى والأسمى والأكثر تحقيقاً لشروط الإنسانية.

القائد التاريخي هو صاحب الرؤيا، يعسف السياسية وتفاصيلها الخبيثة ويجبرها لخدمته، ويترفع عن الخوض في مناوراتها ودهاليزها الغامقة.

القائد هو الذي يختار النص والكلمات التي ستدون في سفر التاريخ، ولا يكتفي بأن يملأ حيز الزمن بالأدنى والممكن فقط.

هو القائد صاحب الهمة والخطوات والأجنحة التي تقلقها أن يكون هناك قمة عصية على أحلامه وطموحاته.

عندما أعلن خادم الحرمين الشريفين مشروع الحوار الوطني كان ينهض في وجه جحافل ظلامية دأبت على تمزيق الوحدة وتغييب الإنسان على حساب المناطقية والقبلية والمذهب والطائفة وجميع أدوات محرقة التخلف الجاهلية التي اعتادت عبر التاريخ على التهام البشر وانتهاك حرمة دمائهم.

عندما أسس مشروع الحوار الوطني كان يعرف بأن رؤيته الإصلاحية النبيلة وسعيه نحو ترسيخ معالم التحضر والمدنية في المملكة (كونها جزءاً من المجتمع الدولي بل جزءاً فاعلاً ومنتجاً) تقوم على الإنسان، الإنسان الحر الطموح المتوثب، وليس ذلك الظلامي المتقوقع داخل خوذته الحجرية المستجيب لرؤية أحادية ضيقة.

الشرفة الأندلسية التي يطل منها خادم الحرمين الشريفين تجعلنا نشعر في أعماقنا بالامتنان؛ لأننا نتابع تفاصيل لحظات تاريخية عصية على الوصف بصورة طازجة نابضة أمام أعيننا، ولم نقرأها كحادثة تاريخية تغور في غياهب الزمن.

فقط اللذين يحملون بين أعطافهم قلوباً جسورة قادرون على اقتحام أشد الحصون صلافة وتوحشاً، هم وحدهم القادرون على تحرير جميع القيم الإنسانية النبيلة من أقبية التخلف والكراهية والتصنيف ورفض الآخر.. الآخر الإنسان، في وقت كان فيه مجرد المرور بجانب تلك الأقبية من الممكن أن يثير هياجاً ولغطاً لا ينقطع من سدنة الظلام، ودهاقنة الأيدلوجيا، المسمرين فوق صلبان الثقافة الأحادية المنكفئة على يقينها.

بين يدي شرفة أندلسية يتوقف التاريخ ليلتقط أنفاسه.. يبقى من هذا كله أن نستجيب للواجب الوطني ونلتف حول المسيرة الإصلاحية ونعي أن ربان هذه السفينة سيقود هذا المكان وسكانه إلى شواطئ المدنية العامرة بالفعل الحضاري المحترم للإنسان وقدسيته.



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6287 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد