Al Jazirah NewsPaper Wednesday  23/07/2008 G Issue 13082
الاربعاء 20 رجب 1429   العدد  13082
مركاز
العيش!
حسين علي حسين

في المدينة المنورة يطلق الناس على الخبز لفظ (العيش)! وهناك عيش أبيض أو فينو وعيش أحمر ويطلق اللفظ الأخير على الخبز البر.. وخبز البر كان الأكثر استخداماً في كافة المنازل، ونادراً ما يطرح على الغذاء أو العشاء خبزاً لم يكن خارجاً للتو من التنور، وأشهر المخابز كانت للكعكي ومحمد صلاح وشقرون والعزوني، أما المخبز التراثي فكان (فرن وحيده) في حارة الناجوري جنوب المسجد النبوي - قبل أن تدخل كامل الحارة في التوسعة، يقال إن هذه السيدة كانت تشرف بنفسها على كل كبيرة وصغيرة في الفرن، والغريب أن هذا الفرن كانت مهمته تلقى صواني الخبز، من المنازل وإدخالها التنور حتى تنضج ثم يعود بها من أتى بها إلى منزله، أو منزل جيرانه، وإذا كانت مرسلة الصينية امرأة، فإنها تضع في العادة قرصاً يكون من نصيب حامل صينية العجين!

وقد كان لتنوع المجتمع المدني في المدينة، دور في وجود أنواع متعددة من الخبز منها: الشريك والكماج (وهو أكلة الأغنياء) والشابورة والمعمول والغريبة والعيش المغربي والتميز والفطائر بأنواعها.

هذه الأنواع من المخبوزات بعضها شامي وبعضها تركي ومغربي ومصري والبعض الآخر أجنبي ساد وسط البرجوازية المدينية والتركية.. ولكل نوع من هذه المخبوزات وقته فخبز البر للغذاء والشريك لوقت الضحى مع الدقة والجبن والزيتون والحلاوة الطحينية أما التميز فهو مع الفول والمقلي (الفلافل) وهكذا!

لكن لماذا سمي العيش بهذا الاسم؟ طرحت هذا السؤال على نفسي، فوجدت أن العيش عند عامة الناس هو عديل الروح، وقد قيل في الأمثال (عض قلبي ولا تعض رغيفي!) وكم من الاضطرابات قامت بسبب أزمة الرغيف، فانقطاعه خصوصاً عن عامة الناس يعني الموت، لذلك تدعم الدول القمح ليصل إلى مواطنيها بأقل الأسعار، بل إن بعض الدول تحرص على زراعته رغم تأثيره في مخزونها من الماء بعد رأت أن بعض الدول التي تنتجه من الممكن أن تستخدمه كورقة ضغط على الدول التي تحتاجه ولا تملك وسائل إنتاجه أو زراعته!

لا يعرف قيمة الخبز إلا عامة الناس أما خاصتهم فلديهم العديد من البدائل التي يلجؤون إليها، إذا عز عليهم الحصول على الرغيف الشعبي، وهم قادرون على الدفع أما عامة الناس فقد عقدوا حلفاً مع الخبز الرخيص يغمسونه في الفول والخضار والشاي وكل هذه الأصناف من الممكن أن تختفي لكن اختفاء الخبز كارثة!

استرسلت في الخطابة لذلك سأعود إلى الوراء قليلاً، فقد كانت ربة البيت المدينية تخمر العجين وتخبزه، وترسله للفرن، وفي بيوت أخرى تتولى الزوجة عجن الدقيق وخبزه وإنضاجه في المنزل أما ربة البيت الفلاحة فإنها تخمر الدقيق، ومع الفجر توقد الفحم، وتضع فوقه الصاج، لعمل الفطير الساخن، الذي يؤكل بعد غمره بالمرق الحلو والمالح أو بالحليب، وهناك من يغمره بالخضار خصوصاً الملوخية، هذه الفطيرة تشبه الرقاق أو القرصان التي ما زالت تباع في الأسواق ناشفة أو طرية، أمي رحمها الله كانت تفعل ذلك مع الفجر، لكنني في يوم افتقدت الفطير الصباحي فلم أرَ الدخان في منور منزلنا، حتى أصاب كيس الدقيق السوس، فأطعمناه للعنزة المقيمة أمام المنزل فمن يومها أقفلت أمي الباب أمام الفطير، فقد احتل العيش الأحمر والتميس مكانه!



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5137 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد