Al Jazirah NewsPaper Thursday  24/07/2008 G Issue 13083
الخميس 21 رجب 1429   العدد  13083
شيء من
الكتاب والترزز
محمد بن عبداللطيف آل الشيخ

كتاب المقال في صحافتنا نوعان: نوع يهمه (الترزز)، وتذكير صناع القرار أنه موجود، و (عسى ولعل) تسيطران على تفكيره. ونوع آخر يهمه الفكرة، ومنطقيتها، والطريقة التي يتم من خلالها طرحها وإيصالها إلى القارئ، وأن يلبي ما هو مطلوب منه ككاتب صحفي.

النوع الأول القلم لديهم مجرد وسيلة للوصول؛ المهم أن تظهر صورته، ولقبه الأكاديمي في مقاله. وأفكار هؤلاء غالباً ما تكون عائمة، وهلامية، وغير محددة التوجه؛ لا تختلف عن درس (الإنشاء)، ولا الخطوط الحمراء، ولا تدخلهم في خضم الصراع الثقافي، الذي (قد) يكون بالنسبة لهم بمثابة الجذوة التي تضرم النار في مستقبلهم الوظيفي، وتقضي على طموحاتهم.

مثل هؤلاء الكتاب هم مصدر من مصادر السلبية في أي جريدة. فالذي يكتب وليس له (اتجاه) فكري، لا يمكن أن يكون عامل إضافة. والكاتب الذي (يتعمَّد) ألا يمس بقلمه سقف المسموح لدينا، ليدفع به إلى الأعلى، سيبقى أقصر من أن يكون له في الحراك الثقافي أي ذكر. كثيرون مروا في عالم الكتابة الصحفية ولفهم النسيان، وقليلون جداً أولئك الذين غابوا، وبقيت ذكراهم في بطون الكتب والأبحاث، وفي ذاكرة الناس. أن يكون الإنسان شيئاً مذكورا هو طموح أي كاتب جاد، إلا (المترززين)، فهؤلاء لديهم هدف واحد وهو (الوصول)، وبعد الوصول فلتذهب كتاباتهم إلى مزبلة الجريدة.

والكاتب الجاد- في الغالب- يجد دائماً أن ما هو متاح من المساحة، وربما الزمن، لا يكفيان، فيطالب بمساحة أكبر. كما لا يعوزه وجود الفكرة التي سيكتب عنها، فهمُّه الثقافي يسعفه دائماً، ويقدم له من الأفكار ما يجعلها (ظباء خراش) أمام عينيه.

وعندما تكثر وتتنوع حسابات الكاتب، والاعتبارات التي يضعها أمام عينيه وهو يكتب، كلما أتى طرحه ضعيفاً، يكتنفه الكثير من المجاملات والمواربة والصيغ الاعتذارية، الأمر الذي يفقد المقال في المحصلة المباشرة والوضوح والجرأة.

وبدخول القنوات الفضائية والإنترنت إلى المجال الإعلامي بقوة وفاعلية، أصبح (الخبر) في الصحافة الورقية بائتاً في الغالب، إلا في مرات نادرة تحقق فيها الصحيفة سبقاً صحفياً؛ ومثل هذه الأسبقية لا يمكن لأي صحيفة الاعتماد عليها، ليبرز في النتيجة التحليل، والتقرير، والمقال، كمنطقة تميز وجذب للقارئ.

وأغلب قراء الصحف لا يقرؤون اليوم (الأخبار)، ولكنهم يقرؤون ما خلف هذه الأخبار؛ لذلك فإن أهمية المقال، كوجهة نظر أو تحليل، زادت في الآونة الأخيرة؛ وبزيادتها زاد عدد (المترززين) ككتاب رأي ومحللين في صحافتنا.

وأتذكر عندما احتل صدام (الكويت)، وجثم بقواته على حدود المملكة، تزايدت أعداد (المترززين). وكان وقتها الأستاذ عثمان العمير يرأس تحرير جريدة (الشرق الأوسط)، وكانت مقالات هؤلاء تهطل على مكتبه في لندن بكثافة. وكان أخشى ما يخشاه أن يذعن لهذه الضغوط، وتصبح (صفحة الرأي) في (الشرق الأوسط) وكأنها (ميدان حميدان) أو (حراج ابن قاسم)؛ لذلك حافظ على صفحة الرأي بكتابها المعتمدين، وأنشأ صفحة أخرى طارئة، و(جانبية) ينشر فيها ما تجود به فاكسات (عِليَة) القوم من المملكة؛ وسانده بحزم الأمير أحمد بن سلمان، رئيس مجلس إدارة الشركة السعودية للأبحاث والتسويق آنذاك-رحمه الله- وبتصرفه هذا استطاع أن يحافظ على صفحة المقالات في جريدته من أن يهوي بها إلى القاع المترززون.



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6816 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد