Al Jazirah NewsPaper Saturday  26/07/2008 G Issue 13085
السبت 23 رجب 1429   العدد  13085

متقاعدون مع المعاناة
أ.د. عبدالعزيز بن محمد الفيصل

 

تثار قضية المتقاعدين في الصحف من وقت لآخر، وأقصد تلك الفئة من المتقاعدين التي لا يزيد مرتبها الشهري التقاعدي عن (1725 ريالا) وعلى الرغم من كثرة الكتابات في هذه القضية فإنها ما زالت بدون حل. وينطبق عليها المثل (اسمع جعجعة ولا أرى طحنا) نعم أسمع جعجعة ولا أرى طحناً، وربما انخرطت كتابتي هذه في سلة الجعجعة، فأنا واحد من أولئك الذين يحاولون نصرة تلك الفئة التي لم تعد تفي مرتباتها بمتطلبات المعيشة في يومنا هذا، إنني لا أملك إلا هذا القلم، فهي مأجورة إن شاء الله لأنها تساعد إنساناً على معيشة أبنائه وبناته. لقد حل علينا منذ سنتين ضيف ثقيل هو الغلاء، غلاء القوت وغلاء السكن، ونحن نغبط من قبل الدول الخارجية بغلاء سعر البترول، وما علموا أن غلاء سعر البترول يعود علينا بالضرر، فالبترول تصنع به مواد كثيرة نشتريها، فإذا قلنا لماذا الغلاء قالوا زادت أسعار البترول، فالأنابيب وغطاء أسلاك الكهرباء والإطارات ونقل المواد الغذائية من قبل السفن والطائرات والشاحنات كل ذلك وغيره يدخل فيه غلاء البترول، وإذا كان صاحب الدخل العالي والمتوسط يستطيع العيش في خضم الغلاء فكيف يستطيع العيش فيه صاحب مرتب (1725 ريالاً). إن كثيراً من الأسر اليوم تستقدم الشغالة الفلبينية ومرتبها (1500 ريال) يضاف إلى ذلك (6500) استقدامها وكلفة الإقامة في السنة (600) ريال أي أن المستقدم يدفع (1200) للإقامة، فإذا أضفنا قيمة الاستقدام والإقامة للمرتب خلال السنتين فإن مرتب الشغالة في الشهر هو (1821 ريالا) فهو يزيد على مرتب المتقاعد بـ(96 ريالاً)، مع أن الشغالة لا تدفع قيمة الأكل وتسكن بدون إيجار، إن صاحب الـ(1725 ريالاً) لا يعرف كيف يوزعها بين إيجار المسكن، وفاتورة الكهرباء، ومستلزمات الأسرة وبنزين السيارة، وفاتورة الهاتف النقال، لقد أصبحت السيارة ضرورة لا بد منها، ففي القديم يتوسط السوق البلدة ويستطيع رب الأسرة الذهاب إلى السوق على رجليه، أما اليوم فالوضع مختلف في المدينة والقرية، فالأحياء متباعدة، والسيارة هي الوسيلة لجلب ما يحتاجه رب الأسرة، ومع قلة الدخل يضطر صاحب مرتب (1725 ريالاً) إلى شراء سيارة قديمة تحمله عبئاً جديداً وتفتح عليه باب صرف لا يستطيع إغلاقه، فبجانب البنزين الخراب الذي لا يقف عند حد، ومن الذين يتقاضون الـ(1725 ريال) شالح بن عيد العتيبي فلديه سيارة تشبه سيارة محجوب التي يقول فيها شوقي:

لكم في الخط سيارة

حديث الجار والجاره

إذا حركها مالت

على الجنبين منهاره

وقد تحزن أحياناً

وتمشي وحدها تاره

ولا تُشبعها عين

من البنزين فوّاره

ترى الشارع في ذعر

إذا لاحت من الحاره

فقد تمشي متى شاءت

وقد ترجع مختاره

قضى الله على السّوا

ق أن يجعلها داره

يقضّي يومه فيها

ويلقى الليل ما زاره

ولا ننسى الأرز وزيادته، وهو قوت الغني والفقير، فكيس الأرز له نصيبه من الـ(1725 ريالاً) مما اضطر بعضهم إلى الهرب من المدينة إلى القرى المجاورة والسكن في البيوت القديمة، فمثلاً في الرياض كان الجنوب ملاذ أصحاب الدخول القليلة ولكن الإيجارات في الشميسي والجرادية ومنفوحة تضاعفت، مما دفع أصحاب تلك الدخول إلى السكن في البيوت القديمة في المزاحمية وملهم والقرينة وحريملا. إن الالتفات إلى هؤلاء واجب إنساني قبل أن يكون واجباً إسلامياً ومن منطلق التكافل الاجتماعي، لقد جاوز الماء الزبى وبلغ الحزام الطبيين، فمعالجة هذه القضية مقدمة على غيرها. إنني لا أتحدث عن أناس يعيشون بيننا، وإذا كان سرد أسماء هؤلاء في هذه المقالة متعذراً، فلا بأس من ذكر بعضهم، الذين استأذنتهم في ذكر أسمائهم، ومنهم: جالس بن رضيان العتيبي (1725 ريالاً)، مرضي حسن عطية الغامدي (1725 ريالاً)، فلاح غصين الشيباني (1725 ريالاً)، علي رايد الغامدي (1725 ريالاً)، زيد بن عماش العتيبي (1725 ريالاً)، محمد بن علي الغامدي (1725 ريالاً)، معين سعيد الشيباني (1725 ريالاً)، مرزوق عبدالله الغامدي (1725 ريالاً). لقد خدم أولئك المتقاعدون وطنهم، ومنهم من دافع عن الأمة العربية في حربها مع إسرائيل فرابط في سوريا، أي أن أولئك منهم المدنيون ومنهم العسكريون، فحقهم على الوطن والمجتمع متعين. إن هذه القضية جديرة بالطرح في مجلس الشورى، بل إنني أهيب بمن يستطيع طرحها على خادم الحرمين وولي العهد أن يسارع في عرضها، فهناك من يقابل خادم الحرمين كل أسبوع، فأين زكاة الوجاهة لدى هؤلاء، إن زكاة الوجاهة تتمثل في عرض هذه القضية ومثيلاتها، ثم أين المسؤول في الديوان الملكي عن هذه القضية وأمثالها، إن المسؤولية تقتضي التنبيه على قضايا ذوي الحاجات والفقراء. ثم أين هيئة حقوق الإنسان من مواطن سعودي يعول أسرة ومرتبه (1725 ريالاً). إن هيئة حقوق الإنسان عليها واجب تجاه هؤلاء وأمثالهم.

وقد يقول قائل إن الفئات التي يقل دخلها عن ألفي ريال موجودة في المجتمع، فهناك العاملون في الحراسات، وهناك العاملون في الأسواق التجارية وغيرهم، وأقول إن العاملين في الحراسات وفي الأسواق التجارية من الشباب الذين هم في بدايات حياتهم فهم لا يعولون أسرة في الغالب، بالإضافة إلى أن أولئك يتطلعون إلى المستقبل، فتلك المرتبات القليلة ستزداد، أما المتقاعد فإن مرتبه التقاعدي ثابت عند (1725 ريالاً) فالفرق بين هؤلاء وهؤلاء واضح.

إن قضايا المجتمع الجديرة بالمناقشة كثيرة ولكن هذه القضية مقدمة على غيرها لأنها تتعلق بقوت الإنسان السعودي، فليس من اللائق تغييب هذه القضية عن ولي الأمر في بلد لديه فائض في ميزانية الدولة.


 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد