Al Jazirah NewsPaper Saturday  26/07/2008 G Issue 13085
السبت 23 رجب 1429   العدد  13085

دفق قلم
روائع وبدائع (2)
عبد الرحمن صالح العشماوي

 

ما نزال مع الحلم سيِّد الأخلاق، وللحلم أثره الكبير في استقرار حياة البشر وسموِّ أخلاقهم وحسن تعاملهم، ونقيض الحلم الغضب، وضيق الصدر، وشتّان بين النقيضين.

يقول إبراهيم بن أدهم الزاهد، أنا منذ عشرين سنة في طلب أخٍ إذا غضب لم يقل إلاّ الحق فلم أجده.

وفي الأثر: ان الغضب جمرة توقد في جوف ابن آدم، ألا ترى إذا غضب حمرةَ عينيه، وانتفاخ أوداجه، فمن وجد من ذلك شيئاً فلْيُلْصِق خدَّه بالأرض، ولعلّ نصيحة الغاضب بالوضوء من باب إطفاء جذوة الغضب.

يقول لقمان الحكيم: ثلاث من كنَّ فيه فقد استكمل الإيمان، مَنْ إذا رضي لم يخرجه رضاه إلى الباطل، وإذا غضب لم يخرجه غضبه من الحق، وإذا قدر لم يتناول ما ليس له.

قيل لأعرابي: كيف وجدت فلاناً؟، قال، بخير حال، فهو زين الحلم، واسع العلم، إنْ فاخرتَه لم يكذبْ وإن مازحتَه لم يغضب.

ويروى عن عيسى عليه السلام أنّه قال: يباعدك من غضب الله ألاّ تغضب، وفي مثل هذا المعنى يقول علي بن الحسين (زين العابدين): أقرب ما يكون العبد من غضب الله إذا غضب، وفي مثل هذا يقول أبو العتاهية شعراً:

ولم أر في الأعداء حين اختبرتهم

عدواً لعقل المرء أعدى من الغضبْ

وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: تجرّع الغيظ، فإني لم أر جُرْعَةً أحلى منها عاقبة، ولا ألَذَّ منها مَغَبَّة، وقال عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: إيَّاك وعزَّة الغضب، فإنّها ستُلْجِئُك إلى ذُلِّ الاعتذار وإذا ما اعترتك في غضبك عزَّةُ النفس فتذكَّر مَذَلَّة الاعتذار.

وهذا الأثر للغضب هو الذي جعل لقمان يقول ناصحاً: إذا أردت أن تؤاخي أخاً فاغضِبْهُ، فإنْ أنْصَفَك وهو غاضب فآخِه، وإلاَّ فاحذَرْه.

يقول ابن مسعود رضي الله عنه: كفى بالرجل إثماً أن يقال له: اتق الله، فيغضب ويقول: عليك نفسك، ويؤكد أهمية عدم الاستسلام لسَوْرةِ الغضب الأحنف بن قيس حليم العرب فيقول: إنَّ قوّة الحلم على الغضب أفضل من قوَّة الانتقام، وقد كنَّا نعدُّ المروءةَ الصبرَ على كظم الغيظ، ومن لم يصبرْ على كلمة سمع كلمات.

وسأل داودُ سليمان عليهما السلام عمَّا هو أشدُّ وقعاً من الجمر، فقال سليمان: البهتان عند الغضب، ومن أجمل ما قال بعضهم في هذه المعاني: انظر إلى حِلْم الرجل عند غضبه، وإلى أمانته عند طمعه، وما علمك بحلمه إذا لم يغضب؟ وما علمكَ بأمانته إذا لم يَطمعْ؟، وقال عبد الله بن المبارك حينما قيل له: أجْمِلْ لنا حسن الخلق في كلمة: (تَرْك الغضب). ومن أجاب شهوته وغضبه أهلكاه وقاداه إلى النار، ويُروى أنّ راهباً قال للشيطان وقد تمثَّل له: أيُّ أخلاق بني آدم أعْوَنُ لك عليهم، فقال: الحِدَّة والغضب، فإنَّ الإنسان إذا كان حديداً غَضُوباً قلَّبناه كما يقلِّب الصبيان الكُرَة.

إشارة:

ليست الأحلام في حال الرِّضا

إنما الأحلامُ في حال الغَضَب

لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5886 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد