Al Jazirah NewsPaper Sunday  27/07/2008 G Issue 13086
الأحد 24 رجب 1429   العدد  13086
شيء من
أصحاب الدسائس
محمد بن عبداللطيف آل الشيخ

الرجل الصغير يبقى صغيراً مهما حاول الآخرون الرفع من قدره ومكانته؛ فهو لا يستطيع أن يواجهك في وضح النهار، لأنه يعرف أنه أصغر من المواجهة.

الشيخ صالح الفوزان مهما اختلفنا معه، ومهما كان لنا على أقواله الكثير من التحفظات، إلا أنه رجل يواجه، ويناقش، ويقارع الحجة بالحجة، وعلى رؤوس الأشهاد، دون أن يتلون، أو يبدي قناعته هنا ويغيرها هناك حسب تقلبات الجو!

وفي مقابل هذا الشيخ الواضح، هناك أناس أجبن من أن يواجهوا المختلفين معهم (تحت ضوء الشمس)، لأنهم يفتقرون إلى الشجاعة، والقوة في الشخصية، والتمكن، والثقة بالنفس، ورباطة الجأش، وأخلاقيات الفرسان؛ فيلجؤون إلى (الدسائس)، والعمل من تحت الطاولة، واعتماد (الوشاية) كوسيلة للإساءة إلى من يختلفون معهم بأسلوب لا يمت للقيم والأخلاق (النبيلة) بصلة. هؤلاء، وإن ساعدت الفرص على بروزهم، يبقون صغاراً لا يستطيعون أن يرتقوا إلى حجم مكانتهم التي وجدوا أنفسهم فيها.

والذي هذا شأنه يظن أن بإمكانه أن يوقع بمن يختلف معه من خلال (الوشاية)، بينما هو يُساهم بمجانية، و(غباء)، في كشف نفسه للآخرين، والإبانة عن ضعفه، وإدانة أخلاقياته، والتدليل على أنه رجل (صغير)، ليس لديه من الأخلاق ما يبرر مكانته التي هو فيها.

لك أن تختلف معي، ولك أن تقول فيما أطرح ما تشاء، وأن ترد بالأسلوب والطريقة التي تراها مناسبة، فلدي - ولله الحمد والمنة - من الثقة بالنفس ما يجعلني أتحمل كل ما يأتيني من السهام، حتى تكسرت النصالُ على النصال - كما يقول المتنبي - ، ولم أتزحزح عن قناعاتي ومواقفي ولو سنتيمتراً واحداً، ومثلما لي الحق أن (أنقد) وأن أطرح ما أراه الأقرب إلى الصواب، فلك كل الحق أن ترد، وأن تنتقدني، لكن في الهواء الطلق، والشمس في رابعة النهار، وليس في الغرف المظلمة.

كما أن الحكم على (النوايا)، والذهاب إلى (التفتيش) عما تكنه القلوب، والانطلاق منها في (الكيد) والإساءة إلى من تختلف معهم، يعني أنك ضعيف الحجة، هش المنطق، يعوزك الكثير من أدوات الإقناع كي تحظى باحترام الآخرين. أمامك ما أقول، فاعمل فيه مشرط الجراح، واحكم عليه، وعلى سياقاته، ونتائجه، كما تريد أما أن تعمد إلى ما تظن أنه (نوايا) الذي يتناقش معك، وتهمش (ما يقول) ثم تنطلق من ذلك إلى (الحكم) على ما يطرحه، فهذا عي وضعف يترفع عنه الجهلة والعامة ناهيك عن صغار طلبة العلم.

وفي إحدى حكايات كتاب (المجنون)، أحد مؤلفات جبران خليل جبران، (حكاية) أجد أن من المناسب إيرادها هنا؛ يقول: إن رجلاً مرّ بأحد الحقول، فوجد (خيال المآتة) - الفزّاعة التي يلجأ إليها الزرّاع لتخويف البغاث وصغار الطير من العبث بالمحصول - قد توسط كعادته الحقل. سأله الرجل: ألم تمل من هذه الوقفة وأنت تبدو مثل المصلوب طوال اليوم؟ فرد خيال المآتة: بالطبع لا؛ لأني أشعر بلذة كبيرة في تخويف الطيور كي لا يعتدوا على محاصيل الحقل. فرد الإنسان: أنت محق؛ فأنا أحس بمتعة كبيرة عندما أجد من يتهيبني. فرد خيال المآتة: لكن متعتي أكبر وإحساسي بالحبور - (السرور) - لا حدود له، لأنني أزرع الخوف وأنا محشو بالقش!

وصاحبنا هذا هو في نهاية المطاف مجرد (خيال مآتة). إلى اللقاء.



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6816 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد