Al Jazirah NewsPaper Tuesday  29/07/2008 G Issue 13088
الثلاثاء 26 رجب 1429   العدد  13088

دفق قلم
وقفات مع الليل
عبد الرحمن بن صالح العشماوي

 

فرق كبير بين من ينظر إلى القمر كما ينظر إليه معظم الناس الذين يرونه نوراً يتلألأ في الظلام ، وبين من ينظر إليه بوَّابة فسيحة من النور، يدخل منها الإنسان المتأمِّل إلى آفاق مضيئة حالمة من التفكير.

القمر لوحة ضوئية لا حدود لأبعادها البديعة.

- قرأت الليل كتاباً مفعماً بالذكريات فأمسيت معه في عالم عجيب من الأحلام، والخطرات، وأبحرت فيه إبحاراً روحياً لا نظير لجماله وروعته. الإبحار في خضمِّ الليل، إبحار من نوعٍ خاصٍ، لا تملُّ منه زوارقُ الأحلام.

- من قال لكِ: إنَّ الليل مسرحٌ للأرق والقلق؟ كيف استطاع هذا القائل أن يتجنى على الليل بهذه الصورة؟ وأن يشوِّه حقيقته الرائعة؟ الليل مسرح الذكريات، الليل صومعة الأذكار والمناجاة، الليل واحة الروح التي تعرف كيف تتصل بمبدع الكون سبحانه وتعالى.

- تأمَّلْتُ أديم السماء في جنح الليل، فرأيت أجمل صورةٍ تراها العين، نجوم تَتَلألأ، وقمر يسطع، ونجوم تنطلق شهباً من نيران حارقة رجوماً للشياطين.

{وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِّلشَّيَاطِينِ}لله أنت أيها الليل البديع.

- لا تنزعج من الليل، لا تنظر إليه بعين الخائف، ولا تستقبله بوجدان المستثقل لظلامه وسكونه، فالليل هو الخيمة الجميلة التي تتيح لك أن تحلِّق بروحك في ملكوت الله سبحانه وتعالى، بعيداً عن أعين الناظرين.

الليل خيمة معطَّرة بأشذاء المناجاة والذكر والدعاء.

{يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ، قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً، نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً، أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً}

- قرأت رسالة الليل عشرات المرات، وتأملت حروفها المكتوبة بمدادٍ مضيء من نور القمر وأضواء النجوم، ولمعان الكواكب، فأخذت أردِّد:

في الليل أسرارٌ، ولي بينها

سِرٌّ فمن يدري ومن يفهمُ؟

- قال لي صاحبي: أكره الليل، وأُبغض ظلماءه، وأشعر أنه كائن ثقيل يجثم على صدري، يذكرني بقول امرئ القيس:

فقلت له لمَّا تمطَّى بصُلْبه

وأردف أعجازاً وناءَ بكَلْكَل

قلت لصاحبي: أبحر في الليل بزوارق الدعاء، والذكر، والاستغفار، ورتِّل على مسامع قمره ونجومه بعض آيات القرآن الكريم، فإنني كفيلٌ لك - بعد هذا -

بأن تكون من أكبر عشَّاق الليل.

- انظر إلى الليل - دائماً - بصفته عباءةً فضْفاضةً يرتديها سكون الليل وهدوؤه، وقد بدت موشَّاةً بآلاف النجوم والكواكب التي تُبْهِجُ أعين الناظرين، هنا يصبح الليل صديقاً حميماً.

إشارة

إنما الليل مسرحٌ، والأماني

راقصاتٌ يَرُوْعُهنَّ الرحيلُ

www.awfaz.com

لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5886 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد