Al Jazirah NewsPaper Tuesday  29/07/2008 G Issue 13088
الثلاثاء 26 رجب 1429   العدد  13088
نوافذ
حكاية..... زهرة
أميمة الخميس

زهرة ما برحت فتية....حتى وإن كان لديها ثمانية أطفال و(100) هم، وزوج واحد قرر أن يغادرها، ويبدأ حياته مع أخرى.

وبقيت هي برفقة قطرات من ماء وجهها و(ملف علاقي) تلف به على مواطن العمل النسوية تخمن وتتفاءل بأنها ستحصل على وظيفة، الملف يحوي بطاقة العائلة، وصك طلاقها الموقع من قاضيين، الصك شرعي ومتكامل الأركان، ولكن لم يكن هناك داخله رقم أو معاملة أو دراسة متكاملة من إخصائية اجتماعية حول أولئك الثمانية اللذين ينتظرونها في البيت زغب الحواصل لا ماء ولا شجر، قبل صدور الصك.

صك الطلاق الوقور كان مجرد ورقة بدائية كتبت بخط اليد، صيغتها وإخراجها يقهقرنا نحو قرون ماضية، ولم يكن من هناك من حيز يتحدث أبدا عن نفقة الزوجة، ونفقة الثمانية وإعالتهم، وعن دور القانون عندما تتلاشى شيم الرجولة والنبل والأخلاق الكريمة، ضد أولئك المتقاعسين عن حفظ لحومهم ولحوم أبنائهم من عوادي الزمان وتقلبات الدهر؟

زهرة لم تكن تطالب بقيادة السيارة (وهذا حق من حقوقها) كانت فقط تطالب بكفاف يومها وسترها بعمل شريف، وعندما سألتها عن الأب قالت: لقد تزوج وبدأ حياته من جديد!!

هل سئل القاضي الذي خط صك الطلاق لزهرة سؤالا واحدا: من سيجلب الخبز واللحم لثلاجة زهرة مساء اليوم الذي كتب به الصك؟

وسؤال آخر أقدمه لمحكمة أخرى عقدت نكاح فاطمة (زواج مسيار) التقيت فاطمة في إحدى المناسبات العامة، فاطمة تعمل حارسة أمن وبرفقتها رضيع لم يتوقف عن الصياح، عندما حملته بين يدي كان الرضيع صغيرا هزيلا لم يتجاوز الشهرين، لعله حليب أمه يسرب له الألم والحسرات، تقول: طلقني أبوه (المسير) عندما علم بأنني حامل.

وزواج المسيار هو أحد الزواجات المتاحة المباحة شرعيا، لكنه أيضا ورقة مجرد ورقة تماما كورقة صك طلاق زهرة، لا يوجد بها حيز للأبناء، أو قداسة مفهوم العائلة ككل.

الارتباط يعني عائلة ومستقبل..... سقف مضمون للقادمين، يعني أصغر وحدة يقوم عليها المجتمع، لكن أن يترك هكذا مشرعا بلا ضمانات وأمن فنحن عندها نلقم العديد من أبناء الزيجات الفاشلة للخواء والهباء والانحراف والجريمة.

وهنا بالتحديد نصل إلى الإشكالية التي تقوم عليها العديد من القضايا العالقة والخاصة بالنساء، فعندما يمتعض البعض من المطالبة بحقوق النساء، وينبرون في مناهضة الطروحات المطالبة بتلك الحقوق، وينقلون من كتاب الإنشاء المدرسي عددا من الحقوق الخاصة بالنساء، يتغافلون عن زاوية مغايرة للنظر في القضية، فإن كانت نسبة كبيرة من الناس تستجيب لفطرتها وتقوم على التواصل والتلاحم والرأفة والعطف، ومن لم يمتلك الخصال النبيلة، يستحي من محيطه ومجتمعه، ولكن تبقى هناك فئة منحرفة والحدود الشرعية والقوانين والأنظمة والضوابط قامت من أجل تلك الفئة وإن صغرت نسبتها، لكن لها أثرها المدوي في المجتمع، وعندما قال عليه الصلاة والسلام في خطبة الوداع (ما أكرمهن إلا كريم وما أذلهن إلا لئيم) إنما يحيلنا إلى شقي الكريم واللئيم، القوانين عبر التاريخ وضعت لضبط وردع اللئيم وضبط آثار تصرفاته اللامسؤولة على محيطه والمجتمع، وورقة بدائية كصك طلاق زهرة أو زواج مسيار فاطمة تختصر بين طياتها مأساة غامقة لسيدتين كسيرتين مهيضتي الجناح، بلا حماية من قانون.

الميدان الآن يطلب بإلحاح بتفعيل قانون الأحوال الشخصية، وتسريعه، والميدان محتشد بالملفات الساخنة والقضايا المتورمة، وتعقيدات المدينة الحديثة وتشابك ظروفها وأحوالها، التي لم تعد تستجيب لتلك البساطة البدائية والصكوك المسالمة الملتفة على ماضيها في معالجة العديد من القضايا الجديدة والطارئة، وقد تكون حكايتا زهرة وفاطمة نقطة في بحرها.





لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6287 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد