Al Jazirah NewsPaper Tuesday  29/07/2008 G Issue 13088
الثلاثاء 26 رجب 1429   العدد  13088
اشتقت إليك.. جدي حبيبي
في رثاء جدي الشيخ محمود عبد الله طيبة
مها خالد طيبة

جدي حبيبي .. منارة للكرم وحسن الخلق .. جدي حبيبي خير مثال للرجل الصالح .. جدي حبيبي لم يكن من هذا الزمان، ولكنه كان برفق وبصمت يرينا مَن يمكن أن نكون .. حتى ولو كنا في هذا الزمان.

بسمة جدي كانت شعار وجهه .. فحتى عندما كنت أقول شيئاً قد لا يتفق معي فيه، كان يتبسّم ويهز رأسه ويقول: (لا حول ولا قوة إلاّ بالله) ثم يسكت، فكان في الصمت طلب خفي لإعادة النظر ومراجعة الفكرة. كانت ابتسامته ولا تزال محفورة في مخيلتي تعينني كثيراً في اتخاذ القرارات .. كم كنت حريصة ولا أزال أن لا تفارق تلك الابتسامة شفتيه - في مخيلتي -.

كثيراً ما كان جدي يأخذ رأينا ويشاركنا في أمور تهمه، فمثلاً كان كثيراً ما يعطينا مداخلة ألقاها في مجلس الشورى لنقرأها، ولن أنسى مرة طلب مني - رحمه الله - أن أبدي رأيي في التقرير السنوي لدار الأيتام في البوسنة، فوضعت ملاحظاتي عليه وشرحت لجدي ما أقصد بكل نقطة .. وبعد أربعة أشهر تقريباً يأتي إلى منزلي ظرف كتب عليه بيده (حفيدتي الحبيبة الدكتورة (باعتبار ما سيكون) مها خالد طيبة حفظها الله) وإذا به خطاب من رئيس دار الأيتام موجَّه إليّ، يردُّ على كل الملاحظات التي أشرت إليها! هكذا كان جدي يشعرنا أنّ رأينا مسموع ومهم!.

كان - رحمه الله - دوماً يتابع أخبار دراستي ويشجعني أن أواصل مسيرة العلم أينما وجدته، ويتابع تطورات عملي بتفاعل فيغمرني بحكمته، ويقول دائماً في نهاية النقاش (خيراً إن شاء الله، وإذا عاوزه شيء نحن في الخدمة)، ففي آخر أيامه وهو مريض وقليل الكلام سألني عن عملي، حيث بدأت أعمل في مكان جديد (بشرينا عن شغلك يا مها؟) (على بركة الله ابدئي بجد ومثابرة والله يوفقك).

جدي حبيبي ما ردّ لي طلباً قط .. جدي الذي كان مشغولاً بأكثر من منصب مهم في الدولة وخارجها في الجمعيات الخيرية .. ما ردّ لي طلباً، وما تأخّر أبداً، فإن طلبت منه مراجعة خطاب راجعه في حينه، وإن طلبت منه نسخة من كتاب أرسل لي في اليوم التالي عشراً! ذاك جدي الذي أكرمنا بوقته وفكره وأخلاقه وماله، فاللهم أكرمه ..

كان جدي حبيبي يهتم بالأشياء الصغيرة التي تدخل السرور على قلوبنا، فمثلاً على الرغم من وفرة السائقين كان هو يستقبلنا بمشلحه الأسود الجميل عند باب الطائرة بعد الغياب الطويل ويسلم علينا جميعاً. سأشتاق إلى السلام عليه عند باب بيته عند خروجه للصلاة في المسجد، سأشتاق إلى صوته وهو يثني على جدتي بعد وجبة العشاء (والله أنوار .. أنوار يا أم هاني)، سأشتاق إلى مزحه ومداعبته لنا جميعاً، سأشتاق للركوب معه لمسجد الملك خالد في رمضان ... سأشتاق إلى ذلك الرجل الذي أحبّ الله ورسوله فأحبّه كل مَن عرفه .. فاللهم لك الحمد أن اخترتني أن أكون من ذرِّيته، وأن أتربى في أحضانه، ولك الحمد أن جعلت لنا جدتي الحبيبة (أم هاني) تذكِّرنا دوماً بأخلاقه وكرمه .. اللهم اغفر له وارحمه وأسكنه فسيح جنانك .. وارزقنا جميعاً الصبر والسلوان.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد