Al Jazirah NewsPaper Tuesday  29/07/2008 G Issue 13088
الثلاثاء 26 رجب 1429   العدد  13088

ما مات من هذه بعض شمائله
عبدالله محمد الموسى

 

الحمد لله القائل: (يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَار)، والصلاة والسلام على سيد الأنام الذي حذر من الموت وجعله أفظع ما في الوجود (ما رأيت منظراً فظيعاً إلا والموت أفظع منه).

الموت حوض مورود تفتح له جميع الأبواب الموصدة، ولا ينجو منه أحد، كائناً من كان؛ فالكل من التراب وإلى التراب يعود:

طريق مشى فيه الملايين قبلنا

من الملك السامي إلى عبده القنّ

ليس على الزمان بباق، ونحن في هذه الدنيا ودائع:

وما المال والأهلون إلا ودائع

ولا بد يوماً أن ترد الودائع

يدخل البيوت دون استئذان يأخذ الحبيب والقريب وهو أبلغ العظات، وامتحان للمؤمنين ليصبروا على ما أصابهم ويرضوا بما قسمه الله لهم ويجدّوا في قادم أيامهم بما يعمر آخرتهم.

إذا كان للأوطان أن تجل رجالها المخلصين وللبلدان أن تخلد آثار أبنائها النابهين وللطلاب أن تبكي معلميها ومربيها على الأخلاق والدين وللموظفين والعاملين أن يحزنوا على موجهيهم ومرشديهم لخدمة المواطنين فإن من حقنا أن نعزي أنفسنا في فقد من هذه بعض صفاته، وما هي إلا نقطة في بحر شمائله.

إنه الشيخ الجليل ومربي الأجيال وأحد أبرز رجالات التعليم النظامي الحديث في بلدته الصغيرة آن ذاك إنه الأستاذ محمد العثمان الركبان - رحمه الله وجعل الجنة مثواه -. رجل عرف بعصاميته وحبه للعلم والتعليم والتبصير والتنوير. عاصر التعليم الحكومي في سنواته الأولى وأدار بحكمة واقتدار المدرسة العزيزية بهمة ونجاح رغم تواضع الإمكانات المادية والبشرية. وكان له أسلوب مؤثر أكسبه حب الطلاب والمعلمين، كما وهبه الله حسن الخط وجزالة اللفظ وقوة المنطق والحجة، تخرج على يده كوكبة من رجال العلم والإدارة ساهموا في نهضة هذه البلاد المباركة في مختلف المجالات.

انتقل مع رفيق دربه وأستاذ جيله الشيخ عبدالعزيز بن عبدالمحسن التويجري - رحمه الله -؛ للعمل في رئاسة الحرس الوطني مساهماً في بناء هذا الصرح المجيد الذي أصبح - ولله الحمد - مؤسسة خدمية شاملة للوطن والمواطن.

وقد تسنم - رحمه الله - أرقى المناصب وكان آخر عمل له قبل إحالته إلى التقاعد مدير عام الإدارة بالحرس الوطني بمرتبة وكيل وزارة.

ما كل من مات يفقد؛ فراحلنا - رحمه الله - عرف بين زملائه رؤساء ومرؤوسين بالتواضع واللطف، وحسن الاستماع والمحاورة واتخاذ أفضل المواقف وأجلها، يهتم بخدمة العامل والجندي قبل الموظف والضابط، ويسعى في رفع مستوى دخل صغار الموظفين والأفراد، يترفع عن الإقليمية والعصبية، يهتم بالقدرات والكفاءات.

لم يعرف عنه أنه أساء إلى أحد أو حاول الإضرار بالناس والتقليل من شأنهم مهما وجهوا إليه من إساءة أو وشاية بل كان متسامحاً مع الجميع.

يتقبل شكاوى المراجعين وإلحاحهم على إنهاء إجراءات معاملاتهم، ويحاول تذليل كل الصعاب واختصار خطوات الروتين، ما أمكن. يستقبلهم بابتسامته المعروفة، ويتقبل نقدهم وملاحظاتهم، ولا يخرجون من عنده إلا وهم راضون مرتاحون، سواء انتهت إجراءات معاملاتهم أم استوجب الأمر بعض الوقت لإتمامها.

يقول الشاعر السلوم، وكأنه يعني فقيدنا الغالي:

مرحوم يا راع الوفا والكفافي

مواقفه بالطيب دايم جديدة

ماهوب من ينطق كلام جزافي

ولا ضر مخلوف بفعل ومكيدة

لم يكسب كثيراً من المال، ولكنه احتل قلوب الرجال والثناء والذكر الحسن ممن يعرفه وممن سمع طرفاً من سيرته وتعامله.. رحم الله فقيدنا وألهمنا وأهله الصبر والسلوان، و(إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ).


 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد