Al Jazirah NewsPaper Monday  04/08/2008 G Issue 13094
الأثنين 03 شعبان 1429   العدد  13094
أميرة القحطاني في روايتها (فتنة)
الرواية مشهدية آسرة للغة تناجز النقد دوره

الثقافية-عبدالحفيظ الشمري

عن دار العلم للملايين صدرت حديثاً الطبعة الثانية لرواية (فتنة) للكاتبة أميرة القحطاني، مشتملة على العديد من الصور الإنسانية المعبرة عن خيارات البوح الصعبة، تلك التي تواجه الوعي وتناجزه حالة الاستنطاق القسري بكل ما يعتلج في دواخله، فالبطلة (فتنة) تروى وبتجرد واضح تفاصيل رحلة الأسرة إلى المشاعر المقدسة، ومن خلال هذه المسيرة تبرع الكاتبة في دفع مزيد من الأحداث الاجتماعية التي تتسم بحالات الفقد، ونقد الأسلاف ممثلاً بنقد (الجد) في أنه سبب في تعاستها. فالأحداث تمت في هذه الرحلة السردية على متن الخطوط الجوية (885) التي تعلن أنها ستنطلق في وصف حالة الأنثى التي تسكنها الفوبيا، لتشكك في كل ما حولها من ممارسات.

أميرة القحطاني تدفع بالبطلة (فتنة) إلى أن تبوح بما لديها من نقد اجتماعي لتناجز الكثير من الممارسات اليومية لاسيما ما له علاقة في الجوانب الدينية التي قد تتداخل فيها (العادة مع العبادة) لتكون بعداً نافراً يستحق أن نتوقف عنده كثيراً وهذا ما فعلته الكاتبة في ثنايا هذا العمل.

لم نتخل أميرة عن أمرين طوال سردها لقصة الحج، فالأول أنها داومت على زرع فكرة النقد الساخر، واللاذع في ذات الوقت، وأمر آخر هو في التقاط أدق تفاصيل خطابها الحكائي، مما جعل العمل لوحة مليئة بالتكوينات المتناقضة، تلك التي تنجذب دائماً إلى جذر مهم في تكوين الإنسان ألا وهو (اليقين) الذي لا يأتي إلا في أصعب الأمور وأشقها، فكلما تجسمت أميرة القحطاني عناء المكاشفة والنقد اللاذع كلما وجدت أنها بحاجة إلى ممالحة أو ذر للرمل الناعم في عين الفلاة:

(لا.. أنا لا أقصد) وعلى هذا المنحى التأويلي الاستدراكي تنبني لغة النقد الحاد الذي تكسره السخرية المرة حيناً.. والطرفة والغرائبية أحياناً أخرى.

النقد الحكائي السافر هو أبرز ما يميّز نص (فتنة) وإن كانت هذه الجرأة في التناول يعاضدها وعي تام بما تقول، لينعكس بشكل مقبول كوقوفها عند قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما صرّحت بأنها بحاجة إليه فعلاً بعد أن شعرت بأن سيدنا وشفيعنا هو أهم ما يمكن لها أن تدخره في زمن مصائبنا ومراذلنا وتهاوينا المادي الكريه.

الكاتبة تضع حداً بين الصدق والكذب فلا تخلط هذا بذاك، إنما تعلم حقيقة أنها ليست مؤهلة لأن تكون متدينة، يقيناً منها أن هناك من هو أحق بهذا اللقب شكلاً ومضموناً.. لذلك يطالع القارئ ودون عناء أن البطلة فتنة تصدت للسرد دون عائق فهي في كل الأحوال جاهلة بالكثير من الفرائض والتشريعات لكن ما يعزز قبول رأيها هو أنها لم تتدخل بما لا يعنيها، لتنبري إلى سرد الحكاية كاملة غير منقوصة دون اقتحام لعوالم التلقين الوعظي المنفر.

فقدان البطلة (فتنة) لوالدتها في الموقع المفترض لرحلة الحج (منى) جاء أليماً وحاداً وموجعاً رغم أنه كان خاطفاً، فالكاتبة برعت في رسم تفاصيل المشهد المكثف الذي جاء على هيئة عرض مفصلي مدهش سجل لنا حجم حالة الفقد الذي تعيشه الفتاة المصابة بحساسية فائقة من مآل الحياة إلى هباء، أو رذاذ أو قبض ريح حينما تغيب سيدة حياتها (الأم) حتى لوقت قصير.

(فتنة) الشابة المشبعة بعشق الحياة التي تريدها هي، وبنات جيلها.. تلك النرجسية العالية التي تلغي أدوار الناس بمختلف أطيافهم الرجال الكبار أهل المقامات، القبيلة، المطوع، اللون، العِرْق، التاريخ، الجغرافيا، الحدود بين السعودية وقطر، الوضع الإنساني المزري في بلادنا العربية والإسلامية على نحو حجاج بيت الله الحرام الذي ينقلون صوراً شتى عن مآل حالة تعسة برعت الكاتبة ومن خلال شخصية (فتنة) أن تثير الأسئلة حول واقع إنساني أليم.

الشخصية الرديفة أو الملازمة لفتنة هي الألم (القطرية) والأخ (سلطان) (السعودي) في تموضع منهجي مدروس من قبل الكاتبة (أميرة) حيث جندت طاقات السرد بأن تكون الأدوار ملاءمة لكل شخص، فرغم توامض بعض الشخصيات في الأماكن والمرافق العامة إلا أنهم يتركون أثراً لدى (الراوية- فتنة) لنراهم وقد صنعوا للشخصية بعدها التأثيري المناسب على فضاء الرواية، لتصبح شعيرة الحج فرصة ثمينة لمزيد من الكشف والتلقائية وعرض الأحداث.

في الرواية تنازعت الشخصية الرئيسة (فتنة) تجاذبات الوعي بين (فتنة البدوية) و(فتنة الحضرية)، فبين المرأة الريفية التي تحكمها العادات والتقاليد وسماع الأكبر والإذعان لسلطة الفحل وإن كان هامشياً، وبين حالة الجموح لسيدة متحضرة تتوق للحياة الحرة بكل معانيها.. فمع هذه التجاذبات المتناقضة يعيش القارئ فضاء هذه الرواية المميزة بحق، حيث صاغت أميرة القحطاني مشاهد شيقة تعكس أهمية أن جيل اليوم من المفكرين والأدباء والكتاب هم الأقدر، وهم الأجدر في بناء ظاهرة التحول الاجتماعي من سلطة القبيلة والماضي إلى حياة جديدة أكثر ملاءمة لواقع اليوم فهذا ما أرادت أن تقوله لنا الكاتبة بشكل لا لبس فيه.

***

إشارة:

- فتنة (رواية).

- أميرة القحطاني.

- دار العالم للملايين - بيروت - 2008م.

- تقع الرواية في نحو (182 صفحة) من القطع المتوسط.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد