Al Jazirah NewsPaper Monday  04/08/2008 G Issue 13094
الأثنين 03 شعبان 1429   العدد  13094
هاني نقشبندي ل (الثقافية): يجب أن يتحرر الأدب من الجغرافيا

القاهرة - مكتب الجزيرة - أحمد عزمي

غادر الكاتب السعودي (هاني نقشبندي) اسمه في عالم الصحافة، ليسجل اسمه في سجل الروائيين، فكتب روايته الأولى (اختلاس) التي أثارت جدلاً كبيراً حولها، لتنضم إلى عدد من الروايات السعودية التي كتبت في العقد الأخير.

كان (نقشبندي) قادما إلى الرواية من عالم الصحافة الذي لا يجري وراء التعقيد، فجاء أسلوبه على قدر كبير من البساطة، عززه بروايته الثانية التي صدرت حديثا في بيروت بعنوان (سلام) وهى تتناول فترة مكوث العرب بالأندلس دون أن يستغرقها كتابة التاريخ، فهو لديه رسالة واضحة عن الوجود العربي في الأندلس، يريد لها أن تصل، قد نختلف أو نتفق معها.

(هاني نقشبندي) الذي تولى رئاسة تحرير مجلتي (المجلة) و(سيدتي) كان قد أصدر من قبل كتابيه (يهود تحت المجهر) و(لغز السعادة) وهو حاليا يعمل في حقل الإعلام التليفزيوني، حيث يقدم في فضائية دبي برنامج (حوار هاني)... وهو معنا في هذا الحوار.

** في روايتك الصادرة حديثاً عن دار الساقي ببيروت تحت عنوان (سلام) تعود إلى التاريخ بما فيه من أحداث وقضايا تم العمل على ربطها بالعمل الروائي.. هل هي محاولة لتقديم عمل روائي تاريخي؟

- رواية (سلام) محاولة لتصحيح جانب من التاريخ، وهذا يتطلب إعادة قراءة هذا التاريخ، لكشف المسكوت عنه، لأن الحاضر امتداد للماضي، واليوم سيصير (أمس)، والبناء التاريخي يقدم على أساس هش، ولا بد من إصلاح هذا الأساس، فعندما أعدت قراءة تاريخ الأندلس، اكتشفت أشياء غير صحيحة، تم الترويج لها في العالم العربي.

** ولماذا أسقطت ما حدث هناك منذ أكثر من ثمانية عقود على ما يحدث هنا في الحاضر؟

- لأنه إذا لم يتم معالجة الأمر بحكمة، فسوف يراكم هذا الوضع من مشكلاتنا في الحاضر، وأبرزها التصادم مع بعضنا البعض، وبيننا وبين الآخر (الغرب)، وهذا هو الأخطر، لأنه ينطلق من مرجعيات عقائدية.

** ومن المسؤول عن هذا الصدام؟

- يعتبر المسؤول الرئيسي عن هذا الصدام، كل من يحتقر ويزدري الآخر، ويحاول فرض أفكاره عليه، حتى لو اضطر إلى استخدام السلاح والقوة.

** وما علاقة تاريخ الأندلس باللحظة الراهنة؟

- الأندلس ورمزها بالنسبة لنا هو (قصر الحمراء) الذي لم يبن إلا ليكون رمزاً لهذا الصراع، وإعادة بنائه هو تكريس لهذا الصراع، وهو بمثابة وهم كبير، ورمز للقوة في زمن الضعف وإذا كان بناء (الحمراء) آنذاك رسالة ما، فقد رد الإسبان على تلك الرسالة ببناء كنيسة مكانه، بعد غروب شمس العرب في الأندلس، وهناك دلالة في تجاور الآيات القرآنية في قصر الحمراء مع جرس الكنيسة التي بناها الإسبان، وهما يصطدمان، وبالتالي جاء البطل (سلام) ليقول: كفانا صداماً.

** من أين استوحيت شخصية البطل (سلام)؟

- (سلام) شخصية حقيقية وهي لرجل درويش يعيش في مدينة (أصيلة) بالمغرب، وهو صديقي، أزوره بين آن وآخر، واكتشفت أنه يعرف تاريخ كل بيت، ويعرف نسب شجرة العائلات والقبائل، وقد اختلف الناس حول عمره في الرواية، فهناك من يقول إنه عاش 60 عاماً، وهناك من يرى أن له من العمر 900 سنة، لكنني تخيلته وقد عاش ألف سنة.

** كيف ترى الوجود العربي في الأندلس؟

- لقد اكتشفت أن المسلمين فقدوا مبرر وجودهم في الأندلس، فلم ينشروا الإسلام ولا اللغة العربية، ولا الثقافة الإسلامية، وقد تحول الفتح إلى احتلال، ولم يفعلوا شيئاً طوال 900 عاماً، وقد دخلوا إلى الأندلس مصادفة، بناء على دعوة حاكم القوط لإنقاذه، وأعطاهم جوليان السفن لحماية الملك، وبتحقيق هذا الغرض كان عليهم أن ينسحبوا، لكنهم مكثوا هناك وقصة حرق السفن من قبل (طارق بن زياد) لم ترد في المصادر التاريخية، باستثناء كتاب الإدريسي، وإذا كان حرقها بالفعل، فهل كان يحق له حرق سفن ليست ملكاً له؟ إن الذين وضعوا التاريخ هم جماعة تنتمي إلى جيل الهزائم، وقد اتبعوا منهجاً انتقائياً، فالأندلس - باختصار شديد - أرض عادت لأصحابها.

** وكيف تقارن بين ما حدث هناك منذ عقود وصلت إلى ثمانية أو تسعة، وبين ما حدث في آسيا الوسطى، حيث لا يزال الإسلام هو الدين الرسمي لتركيا الحديثة؟

- المسلمون في إسبانيا كانوا مشغولين بشن الغارات، ومعركة بلاط الشهداء الأخيرة كانت بهدف جمع الغنائم، بينما كانت اسطنبول عاصمة المسيحية الشرقية إلى أن تم فتح القسطنطينية على يد السلطان محمد الفاتح عام 1453، أي أنها ظلت مسيحية لمدة 1400 عام، لكن العثمانيين أثبتوا أنهم غير محتلين، بنشرهم الثقافة الإسلامية في ربوع آسيا الوسطى.

** اعتمدت الرواية على الحكي المباشر للأحداث بحيث لا يكاد القارئ يجد وصفاً للحدث، بل يقف أمام الحدث مباشرة، هل كنت ترغب فىإضفاء عنصر التشويق على السرد الروائي؟

- لقد أردت أن اعتمد على البساطة في الأسلوب، لكيلا استنزف عقلية القارئ في التفكير، حتى لا يصل إلى واقع مستهلك، بل يصل إلى الحقيقة في النهاية. تتناول الرواية موضوعاً تاريخياً، ما يجعل القارئ يلهث وراء الصفحات على معلومة توثيقية، بما يحجب عنه المفاهيم الفنية والدلالية للعمل الروائي.

والعنصر التاريخي في الرواية لا يتجاوز 5% من مجمل العمل، والتاريخ هنا ليس إلا إسقاطاً على الحاضر، حيث تدور أحداث الرواية هنا والآن، بداية من رحلة الأميرال (ماربيا) بإسبانيا وانتهاء بعودته إلى قصره في الرياض، لكن الفكرة الأساسية استوحيتها من تاريخ الأندلس.

** لماذا تكتب؟

- أكتب من أجل نفسي، ولا أفكر في إرضاء الآخرين، ولذلك كتبت ما أومن به، بعد أن تحررت من الخوف والمنصب في روايتي الأولى (اختلاس) وتحررت من عقدة التاريخ فكتبت (سلام) والرواية تعيد النظر في التاريخ لبناء حالة أكثر واقعية وأمانة، فاللذة عندي أن أكتب وأصنع عوالم وأشخاص، وقد قرأت (سلام) بعد صدورها، واستمتعت بها.

** هل كتبت الرواية لأنك اكتشفت أن لديك مقدرة على صنع الحكايات؟

- الروائي ليس (حكواتيا) وإنما يحمل فكرة يعالج بها ظاهرة ما في المجتمع، ويشخص ما هو خاطئ، في صياغة فكرية أمينة، وكل أفكاري تنبع من أعماقي، ولم أفكر في السرد الأدبي، فأنا أغلب الفكرة على الأسلوب، الذي ينبغي أن يكون سهلاً، لأنني ضد التعقيد.

** هل فكرت يوماً في الإضراب عن الكتابة مثلما فعلت مع الصحافة؟

- أضربت عن الصحافة، لكي أذهب إلى الكتابة، لأنها كل ما تبقى لي، وتكمن لذتي في الكتابة، وربما أنتقل إلى مهنة أخرى في المستقبل، لأنني لا أضع نفسي في قالب نهائي.

** أي الرواد شكل ل (هاني نقشبندي) مثالاً يحتذى في الكتابة؟

- من الصعب تحديد شخص واحد، فالكل قد استفدت منه، وأنا مبهور بالجميع؟

** هل أنت راضٍ عن أدائك الأدبي؟

- أنا راضٍ جداً عن أدائي الأدبي، أما عطائي الأدبي ف (لا).

** إلى أين تسير الرواية السعودية؟

- لماذا يتم سلخها من الأدب العربي، فيقال رواية سعودية، وأخرى مصرية، وثالثة لبنانية، أعتقد أن ذلك نوعاً من التحجيم، ويجب أن يتحرر الأدب من الجغرافيا والتاريخ، فالرواية السعودية جزء من الرواية العربية، وأحياناً جزء من الرواية العالمية، أتمنى أن يكون الأدب السعودي أكثر جرأة في معانقة الأشياء وليس أكثر خدشاً للحياء.


 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد