Al Jazirah NewsPaper Tuesday  05/08/2008 G Issue 13095
الثلاثاء 04 شعبان 1429   العدد  13095
شيء من
لبنان نموذج المنطقة
محمد عبداللطيف آل الشيخ

أقضي الصيف مع أسرتي هذه الأيام في بيروت. وبيروت تشكل بالنسبة لي، وكذلك لمن هم في جيلي، الكثير من التاريخ المليء بالذكريات العذبة لصبوة وطيش الشباب. بالنسبة لي تحديداً تعلمت منها، ومن مكتباتها، وكتابها، وصحافتها، خلفيتي الثقافية، والقراءة وحب الاطلاع. كنا عندما نصل إلى بيروت نبدأ بالمكتبات، نبحث فيها عن الكتب الجديدة، وبالذات الكتب الممنوعة في المملكة، فنقرؤها بنهم من الغلاف إلى الغلاف. لذلك عندما اشتعلت فيها الحرب الأهلية كنت لا أشك آنذاك في أن الحرب الأهلية (مؤامرة) هدفها تدمير حديقة المعرفة العربية الوحيدة، نفذتها القوى الاستعمارية (الحاقدة) التي تخشى أن يستيقظ المارد العربي ويقيم على أنقاض حضارتهم حضارته. وكنت آنذاك أؤمن إيماناً كاملاً بأن العالم كل العالم هو (لعبة) يديرها الكبار وينفذها الصغار كما يدير لاعب الشطرنج أحجاره. وكنا نؤمن إيماناً كاملاً أن (ساسة) الغرب لا يغمض لهم طرف حتى يطمئنوا إلى أن العرب متفرقون، وأن (الوحدة العربية) أبعد من أن تتحقق، لأنها لو تحققت فقل على حضارتهم وتفوقهم السلام. كان كتاب مايلز كوبلاند (لعبة الأمم) هو مرجعنا الذي نحيل إليه كل من يشكك في أن العالم هو مجرد (مؤامرات)؛ ومؤلف الكتاب كان أحد العاملين السابقين في وكالة الاستخبارات الأمريكية (CIA)؛ والكتاب صدر بموافقة الاستخبارات الأمريكية نفسها، لأغراض محض دعائية استخباراتية، لإقناع العالم أن ما يجري في الدنيا هو بإشراف أو على الأقل بعلم ال(CIA) إبان الحرب الباردة بين أمريكا والاتحاد السوفييتي؛ أي أنه لا يمت للحياد، فضلاً عن الموضوعية، بصلة. غير أنه وافق رغبة لدينا في تبرير هزائمنا وتخلفنا، وإثبات أن المشكلة لم تكن لأسباب (داخلية)، أي أنها ليست نابعة من (الأنا)، وإنما من (الآخر). والغرب، أو الآخر، عندما يتآمر علينا يفعل ذلك خوفاً وهلعاً من أن يصحو العملاق العربي من سباته، ويعيد حضارته من جديد!

لبنان هو مثال مصغر لمشاكلنا الثقافية والمعرفية. مشكلة هذا البلد داخلية (أولاً)، والخارج هو التبعات. غير أن اللبنانيين، كما هم العرب، يصرون على أن المشكلة دائماً من الخارج، أما اللبناني (المسكين) فهو مجرد ضحية!

ونحن أشبه ما نكون بربة البيت التي عندما يفشل أبناؤها في المدرسة، ويفشل الآخرون منهم في العمل، تحمّل الجيران، وأبناء الجيران المسؤولية؛ في محاولة لنفي مسؤولية الذات عن الفشل. وأتذكر أنني عندما (سقطت) في الصف الثاني المتوسط بسبب إهمالي وعدم اكتراثي بالدراسة، حملت والدتي (طرفة) رحمها الله السبب (لها السرابيت ربعك)!، رغم أن (ربعي) جميعاً نجحوا ولم يسقط منهم إلا أنا؛ وهي بهذا الموقف كانت تعبر عن (المؤامرة)، وانتفاء مسؤولية (البيت) عن سقوطي؛ الأمر الذي يجعلني أجزم أن هذا (التشوه) في التبرير، والذي يلقي اللوم دائماً على الخارج، وينفيه عن الداخل، له علاقة وطيدة بالطرق والأساليب التراثية الفكرية الموروثة.

وفي لبنان، كبارهم وصغارهم، مثقفوهم وعامتهم، يتفقون جميعاً على أن (المشاكل) دائماً تأتيهم من الخارج، وأن لبنان أرض تتصارع عليها القوى الإقليمية والعالمية؛ وأن اللبناني (ماخصو)؛ وهو بريء من مسؤولية ما حل ويحل به من دمار. ربما أن عشقي لهذه المدينة الجميلة أنها تذكرني بوالدتي رحمها الله في تبريراتها.



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6816 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد