Al Jazirah NewsPaper Thursday  07/08/2008 G Issue 13097
الخميس 06 شعبان 1429   العدد  13097
إضاءات نفسية
د. محمد بن عبد العزيز اليوسف

زاوية تهتم بكل ما يتعلق بالطب النفسي والتنمية البشرية وتطوير الذات.. نستقبل كل أسئلتكم واقتراحاتكم.

غيرة الأطفال

* السلام عليكم أنا أم لطفلين الكبير عمره 6 سنوات والصغير عمره 5 أشهر، وقد لاحظت تغيّراً في سلوك ابني الكبير، مثلاً دائماً يحاول ضرب أخيه حتى مع تهديدنا له وأصبح يبكي ويصرخ بطريقة مزعجة ومستفزة رغم أنه قبل ولادة أخيه كان أهدأ كثيراً كما أنه أصبح - أعزك الله - لا يتحكّم في التبول كما كان سابقاً وهذه مشكلة ظهرت عليه من جديد لأننا كنا سابقاً مرتاحين من هذه الناحية، أرجو يا دكتور مساعدتي كيف أتعامل معه؟

- أختي الكريمة عادة الأطفال في مثل هذا العمر يبحثون بدرجة كبيرة عن لفت الانتباه وخصوصاً من الأبوين وإبقاء التركيز موجهاً عليهم، فالطفل يعتقد في هذا العمر أنه يجب أن يكون مركز الاهتمام دائماً ومتى ما شعر أن الاهتمام أو التركيز تحول منه إلى شخص آخر فإنه سيبدأ بالشعور بالغيرة وهذا ما يفسّر قيامه بسلوكيات وتصرفات مستغربة منه في الغالب الهدف الحقيقي منها هو لفت الانتباه إليه.

لذلك فإن التفات الأبوين إليه بالتعنيف والتهديد يعتبر بالنسبة للوالدين عقاباً ولكن بالنسبة للطفل نفسه فإن ذلك قد يكون بمثابة المحفز لاستمرار هذه السلوكيات لأنه في الحقيقة يبحث عن لفت الانتباه إليه وإذا كان هذا الأمر لن يتحقق بممارسته لحياته بشكل طبيعي فإنه سيبحث عن لفت الانتباه بطرق أخرى. أما بالنسبة للتبول اللا إرادي بعد مرحلة التحكم الكامل في البول فهي تعبر عن إحدى آليات الدفاع النفسي عند الإنسان خصوصاً في مرحلة الطفولة وهي ما يُسمى بالنكوص أو التراجع النفسي، حيث يضطر الطفل لا إرادياً أي لا شعورياً عندما يُصاب بالتوتر والقلق إلى العودة إلى سلوكيات مرحلة عمرية سابقة كفقدان التحكم في التبول هنا أو الحديث بطريقة غريبة وكأنه أصغر عمراً أو البكاء والصراخ المستمر.

وأوضح مثال لذلك ما أثبتته الدراسات التي أجريت على مجموعة من الأشخاص المحتجزين في معتقلات كبيرة ونتيجة تعرضهم للتهديد والتخويف المستمر تبدأ لديهم مظاهر النكوص أو التراجع النفسي حتى يصبحوا كالأطفال تماماً في طريقة البكاء وحتى عدم التحكم في البول.

إجمالاً يمكنك تصور الأحداث بالتسلسل النفسي الآتي: ولادة طفل جديد يجد منك - وهذا طبيعي - اهتماماً كبيراً وتركيزاً واضحاً بحكم أنه الأصغر والأكثر احتياجاً لك، لكن الطفل الآخر صاحب الست السنوات يشعر بأن البساط بدأ يسحب من تحته وأن تركيز واهتمام الأم قد تحوّل منه إلى أخيه الأصغر فيهتز لديه الشعور بالأمان داخلياً ويبدأ بالبحث عن لفت الانتباه ولو بطرق سلبية.

من هنا فالحل برأيي هو أن تبدئي شيئاً فشيئاً بتوجيه الاهتمام والتركيز لطفلك الأكبر فقط عندما يقوم بسلوك محبب وإيجابي، وأحد الأساليب الجيدة لتشجيع ذلك هو تكليفه ببعض المهام البسيطة جداً المتعلّقة برعاية أخيه الأصغر كإحضار بعض المواد أو الملابس الخاصة به مع إشعاره بأهمية ما يقوم به من أجل أخيه حتى يشعر أن ظهور هذا الطفل الجديد في حياة الأسرة قد ساهم في صنع دور جديد وإيجابي له. كذلك يتأثر الطفل في مثل هذا العمر كثيراً بعرض صور خاصة له في حال توفرها عندما كان في مثل عمر أخيه وإشعاره بما كانت الأم تقوم به من أجله وقتها، وهذه الطريقة قد تكون أسهل لتوصيل رسالة مهمة لطفل في مثل هذا العمر أنه سبق أن حصل على مثل هذه الرعاية تماماً التي يحظى بها أخوه الأصغر حالياً. بالتأكيد لن تنتهي سلوكياته الحالية بين يوم وليلة، بل ستحتاج إلى وقت لكن بمجرد أن يشعر الطفل أن المكسب الذي كان يحصل عليه من خلال هذه السلوكيات وهو لفت الانتباه لم يعد متاحاً كالسابق وأن هذا الأمر لن يتحقق له إلا فقط من خلال التصرفات والسلوكيات الإيجابية الطبيعية فإنه سيبدأ شيئاً فشيئاً بالعودة إلى سابق عهده.

عليك أختي الكريمة أيضاً أن تتوقعي في البداية مقاومة عالية من طفلك وقد يزداد الصراخ في البداية كنوع من الاختبار لمدى تحملك وصبرك وجديتك في تغيير سلوكك في التعامل معه، لكنه إذا شعر بجدية هذا التغيير خصوصاً مع وجود اتفاق كامل بينك وبين والده وعدم وجود تضارب واختلاف في أسلوب التعامل سيبدأ بالرضوخ والعودة إلى المسار الطبيعي، والحقيقة أن هذا الأمر وإن كان مستفزاً للطفل في البداية لكنه بعد ذلك سيشعره بأمان واستقرار داخلي كبير وأن والديه حقاً يمثلان له المرجعية الأقوى والأكثر ثباتاً وتناغماً في التصرفات، وهو الطريق السريع لعودة قدرة الطفل على التحكم في التبول - بإذن الله - كنتيجة طبيعية للإحساس بالاستقرار النفسي وتلاشي الشعور بالتوتر والقلق.

أسأل الله أن يكتب لك ولأسرتك التوفيق والسعادة.

تغيير دواء مريض الفصام* إلى سعادة الدكتور محمد اليوسف - حفظه الله:

عندي أخ تم تشخيص حالته منذ حوالي 8 سنوات بأنه مصاب بمرض الفصام العقلي وكانت تأتيه أوقات يتكلم فيها مع نفسه ويتهيج ويصرخ ويرفض الجلوس أو الأكل معنا ومنذ حوالي 3 سنوات استقرت حالته كثيراً مقارنة بالسابق على دواء اسمه زيبريكسا لكنني تحدثت مع أحد الأطباء النفسيين وذكر لي عن وجود دواء جديد للفصام اسمه سيروكويل.

فهل تنصح بالتغيير إلى هذا النوع من الأدوية، علماً بأنه حالياً أكثر ما ألاحظه عليه هو ميله إلى العزلة وعدم الرغبة في الاختلاط بالناس؟

- أخي الكريم: يجب أن تعرف أن طبيعة مرض الفصام العقلي أنه مرض مزمن يأتي عادة بأعراض نشطة إيجابية كالتي ظهرت على أخيك سابقاً مثل الهلوسة والشك في الآخرين والقيام بتصرفات غريبة أحياناً، وهذه الأعراض تحديداً تستجيب بشكل جيد للأدوية بإذن الله تعالى.

أما القسم الثاني من أعراض الفصام وهو ما يُسمى بالأعراض السلبية وأهمها الميل إلى العزلة وعدم وجود رغبة في العمل أو الاختلاط بالآخرين مع فقدان الدافعية فهذه الأعراض تحديداً تستمر في الكثير من الأوقات مع المريض ولا تختفي بسهولة.

عموماً يبدو أن استجابته مع الدواء الحالي وهو الزيبريكسا جيدة ولذلك لا أنصحك بالتغيير إلى أنواع أخرى وخصوصاً أن الاستجابة للدواء الآخر ليست مضمونة تماماً، بل قد يتسبب هذا التغيير بحدوث انتكاسة للأعراض الشديدة وهو ما لا نتمناه، فالاستجابة لمفعول الدواء تختلف من شخص لآخر والقاعدة الطبية العامة هنا تقول: (ليس من المستحسن تغيير دواء لمريض الفصام العقلي إلا في حالة عدم ظهور أي علامات استجابة واضحة لديه).

وفّقكم الله.

إضاءة:

أسرع طريقة لإنقاذ أي علاقة هي إجراء حوار ناجح.

دكتوراه في الطب النفسي كلية الطب
ومستشفى الملك خالد الجامعي - الرياض
e-mail : mohd829@yahoo. com



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد