Al Jazirah NewsPaper Monday  11/08/2008 G Issue 13101
الأثنين 10 شعبان 1429   العدد  13101
من حوار الحضارات إلى تحالف الحضارات
د. وحيد بن حمزة عبدالله هاشم

صحيح أن السياسة إن تدخلت في الثقافة وفي الحضارة قد تؤثر فيهما وفي مستوى تقدمهما، وربما قد تسيرهما كيفما تشاء، بل والأكثر من ذلك كله أن تهيمن عليهما أو تضعهما في موضع التبعية وتوظفهما كوسيلتين من وسائلها الهادفة إلى تحقيق غاياتها وأهدافها ومصالحها.. بمعنى آخر أن تستخدم السياسة كلاً من الثقافة بمنظوماتها ومعتقداتها وتوجهاتها الفكرية، والحضارة بسلوكياتها وقيمها وعاداتها وتقاليدها كأدوات فاعلة لعمليات التنشئة السياسية أو التنشئة الاجتماعية أو حتى التنشئة الثقافية والحضارية ذاتهما.

لكن قطعاً وبحكم المطلق من المعروف أن سياسة الدولة (وبذات المنطق سياسات الدول) تهدف أولاً وأخيراً وقبل كل شيء إلى خدمة الصالح العام، وتسعى لتحقيق الصالح العام، ويهمها تحقيق وفرض الأمن والاستقرار العام لجميع مواطنيها والعمل بكل ما لديها من قدرات وإمكانيات للحفاظ على أمنهم واستقرارهم ومحاربة كل من تسول لهم أنفسهم الإضرار بالصالح العام وأمنه واستقراره.

لهذا اعتبر المجتمع الدولي، كل المجتمع الدولي، أن الإرهاب وجرائمه وآثامه وفكره وسلوكياته من أهم المخاطر المحدقة التي تهدد أمن الدول بشكل منفرد، وكذا أمن واستقرار العالم كله، بل وتسعى جماعات الإرهاب وتنظيمات وجماعات التطرف إلى خلق بيئة إقليمية ودولية متوترة تنمي من احتمالات المواجهة والصراع بين الثقافات والحضارات العالمية المختلفة التي تمكنت من التعايش مع بعضها البعض لقرون طويلة من الزمن.

لهذا حرص المجتمع الدولي وفي مقدمته المملكة العربية السعودية على تشجيع الحوار والنقاش بين الأديان والحضارات والثقافات العالمية بغية تحقيق هدف التقارب والتفاعل والتعايش من خلال وعن طريق التركيز والتفاعل ومن ثم التعامل مع العوامل والروابط المشتركة التي تربط فيما بينها، ووضع كافة الاختلافات والخلافات على طاولة الحوار لتقريب وجهات النظر أو احترامها وتقديرها والتعايش معها بشكل سلمي وبوسائل وأساليب سلمية متمدنة ومتحضرة.

بادئ ذي بدء أعلنت المملكة بقيادة وتوجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز عن ملتقيات حوارها الوطني على مستوى المملكة، ومن ثم بدأت في عقد حوار المذاهب الإسلامية في مكة المكرمة على المستوى الإسلامي، لتتبعه بحوار الأديان والحضارات في مدريد قبل أكثر من شهر تقريباً. الهدف واضح وصريح تكريس جهود المملكة لخلق بيئة دولية سلمية ومسالمة، متفاهمة ومترابطة ومتعايشة لقطع خط الرجعة على تنظيمات الإرهاب ولقفل كافة الثغرات التي يمكن أن تنفذ منها أفكار الغلو والتطرف والصراع المقيتة.

وقبل أسبوع شارك سمو أمير الرياض صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز في افتتاح ملتقى ندوة (أصيلة) بدولة المغرب الشقيق الهادف إلى تحقيق (التحالف بين الحضارات العالمية) لمواجهة تيارات التطرف والغلو والإرهاب في العالم، مؤكداً سموه أن (الإسلام احتوى في أمته جميع الحضارات: العربية والآسيوية والإفريقية والأوروبية على امتداد العالم في القديم والحديث بين شرقه وغربه، وهذا دليل تاريخي يشهد لعالمية الإسلام).

وفي بدء تلك الافتتاحية أكد بدوره العاهل المغربي الملك محمد السادس في رسالة إلى ندوة تحالف الحضارات (أن الصدام بين الجهالات.. أما الحضارات فجوهرها التفاعل لما فيه خير الإنسانية جمعاء، في نطاق احترام خصوصيات الهويات والثقافات) داعياً الحضور والمشاركين بتسامح وتعايش الديانات وبتلاقح وتفاعل الحضارات للتصدي للنزاعات الهدامة المحدقة بها جميعاً. وأكد عاهل المغرب (أن الحضارات ليست سوى سلسلة مترابطة ومتكاملة الحلقات، وهي بذلك ملك للبشرية جمعاء، لذا لا يجوز لأي أمة أو شعب، مهما بلغت درجة إسهامه فيها، ادعاء احتكارها).

إن أصل الأديان والحضارات والثقافات العالمية، كما أوضح الأمير سلمان بن عبدالعزيز، من الجزيرة العربية حيث انطلقت دعوة الإسلام، ونحن في المملكة نجد علاقاتنا وصداقاتنا الثابتة على العقيدة الصحيحة والعلم النافع وعدالة الكلمة وأمانة التعامل وشراكة العمل: هي جسر اتصالنا بشعوب العالم عامة وبالمغرب العربي خاصة بروابط التميز والمودة، ليست وليدة اليوم لأن جذورها نشأت حتى من قبل الإسلام عندما كانت الجزيرة العربية ممراً للقوافل بين الشرق والغرب).

الذي يمكن استشفافه مما سبق أن فكر الإرهاب وسلوكياته غريبة على العالم الإسلامي وعلى العوالم والأديان والحضارات الأخرى، بل إنه فكر وسلوك غريب بل ودخيل على المجتمعات العربية والإسلامية التي عرف عنها على مدى التاريخ كله سمات وخصال وحضارة الأمن والسلام والاستقرار التي تعد نقائض لفكر الإرهاب وسلوكياته. فالإرهاب الذي نسمع عن وحشيته ونشعر بمخاطره ونشاهد بشاعة دمويته يختلف فكره وسلوكه مع الفكر والسلوك الإسلامي العربي الذي ولد وترعرع في بيئة الإسلام التي تتعارض تماماً مع بيئة فكر الإرهاب وسلوكياته البغيضة.ولكون ثقافة المجتمع أي مجتمع في العالم تعكسها شخصية المجتمع بل وهويته الوطنية بجوانبها المادية والروحية وبمكوناتها المختلفة المرئية وغير المرئية التي تكونت بفعل تلاقح الإنسان مع الجغرافيا ومع عامل الزمن عبر سلسلة متصلة من رابطة التاريخ المشترك والعقيدة المشتركة اللذين يصهران تلك العوامل الإنسانية وغير الإنسانية في بوتقة واحدة يطلق عليها بالهوية أو الشخصية الإسلامية. فإن ذات المنطق ينطبق على كافة الأديان والحضارات العالمية التي ينبذ فكرها فكر الإرهاب والتطرف، ويرفض منطقها وسلوكياتها منطق الإرهاب وسلوكياته.



drwahid@email.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد